مسئولية الوالدين تجاه أولادهما
تربية الأطفال فكرياً
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمن مسئولية الوالدين تجاه أولادهما: تربية فكرهم، ورعاية عقلهم؛ لينتفعوا به انتفاعًا يزيدهم إيمانًا بالله -تعالى-، وحبًا له، واعتزازًا بدينهم، ودفاعًا عنه ضد التيارات الفكرية المنحرفة سواء الداخلية والخارجية.
- ومَن نظر في الواقع نظرة فاحصة مِن جميع نواحيه، واطَّلع على مخططات الأعداء، وما يُحيكونه مِن مؤامرات على نشء وشباب المسلمين أيقن بأهمية هذه المسئولية، فما زالت مؤامرة "تجفيف المنابع" تسير على قدم وساق، وسياسة فصل الدين عن الحياة: تعليمِها.. اقتصادِها.. سياستِها.. اجتماعياتِها.. إلى آخر ذلك.. سمة بارزة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
- وإن أنسَ فلا أنسى مقولة وزير سابق من العهد البائد -عامله الله بعدله- في أحد اجتماعات الروتاري: "دعوا هذه الأجيال تمضي، وانتظروا الأجيال القادمة"!
- وقد مكث هذا الوزير قرابة العشرين سنة يُخرِّب عقول ناشئة المسلمين مِن خلال المناهج الدراسية بما يخدم مخططات الغرب، وكان معلومًا وقتئذ للجميع أنه يحمل أجندة أمريكية قام على تنفيذها، بل جعل في لجنة تطوير التعليم بعض الخبراء الأمريكيين، ولك أخي القارئ أن تترك العنان لخيال ظنك لتنظر أين يصل بك إذا كان الذئب راعيًا للغنم!
- في ميزان سيئات هذا الطابور الخامس -إن شاء الله- ما وُجد مِن خراب عقلي سواء في العقيدة أو العبادة أو المعاملة أو الأخلاق عند هذه الأجيال إلا مَن رحم الله -تعالى-.
- لقد تنكَّر هؤلاء المخربون لدينهم، ولأصول التربية الموافِقة لأهل السنة والجماعة؛ الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة، وأحسنوا الظن بالتربية الحديثة التي تقوم على أسس علمانية أو إلحادية.. هذه التربية التي بات أهلها يئنون مِن ويلاتها في مجتمعاتهم، فكثرة كاثرة مِن المجرمين، والشاذين، والمرضى النفسيين، والمصابين بالإيدز، ومروِّجي المخدرات والمدمنين.. إلى آخره! فهل يريد هؤلاء المخربون لبلادنا وشبابنا أن يكونوا كذلك؟!
والجواب: نعم، كل الدلائل سواء كانت مناهج دراسية أو بعثات أو تكريم للمتفوقين تشير إلى ذلك وتؤكده.
أيها الأبوان الكريمان:
ينبغي أن يكون خوفكما على أولادكما بعد بيان هذه المخاطر كخوفكما على أبدانهم، بل أشد؛ لأنه خوف على الدين الذي به سعادة الدنيا وفلاح الآخرة، وأن الخسارة فيه خسران الدنيا والآخرة، قال الله -تعالى-: (إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) (الزمر:15)، وقال -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97).
أيها الأبوان الكريمان:
إن التربية لن تكون صالحة مصلحة إلا في إطار غايتها العظمى، وهي عبادة الله وحده لا شريك له.
ولكي تكون التربية الفكرية صالحة مصلحة، فنضع الإرشادات التالية التي نسأل الله -تعالى- أن يوفقنا للعمل بها، وغرسها في أولادنا.
- إن أفضل مواهب الله لعبده العقل، ولقد أحسن مِن قال:
وأفـضـل قسـم اللهِ لـلمـــــرءِ عقلُهُ فليس مِن الخيرات شـيء يقاربه
إذا أكـمـل الرحمنُ للمـــــرءِ عقـلَه فقد كمــــــــــــلت أخلاقه ومآربه
يعيش الفتى في الناس بالعقل إنه على العقل يجري علمُه وتجاربُه
يزيد الفتى في الناس جودةُ عقـلِه وإن كان محظورًا عليه مكاسبُه
قيل لابن المبارك: ما خير ما أُعطي الرجل؟ قال: "غريزةُ عقلٍ". قيل: فإن لم يكن؟ قال: "أدبٌ حسن". قيل: فإن لم يكن؟ قال: "أخ صالح يستشيره". قيل: فإن لم يكن؟ قال: "صمت طويل". قيل: فإن لم يكن؟ قال: "موت عاجل".
وقيل لعطاء: ما أفضل ما أُعطي العبد؟ قال: "العقل عن الله".
قال أبو حاتم البُستي -رحمه الله-: "فالواجب على العاقل أن يكون بما أحيا عقله مِن الحكمة أكلَفَ منه بما أحياه جسده مِن القوت؛ لأن قوت الأجساد المطاعم، وقوت العقل الحِكَم، فكما أن الأجساد تموت عند فقد الطعام والشراب، فكذلك العقول إذا فقدت قُوتها مِن الحكمة ماتت".
قال الشاعر الباهر:
يزينُ الفتى في الناس صحةُ عقله وإن كان محظورًا عليه مكاسبُه
يَشينُ الفتى في الناس خـفة عقله وإن كـرمت أعراقـُه ومناســــبُه
- وقيل لرجل مِن العرب عُمِّر دهرًا: أخبرني بأحسن ما رأيته؟ قال: "عقلٌ طُلِبَ به مروءة مع تقوى الله وطلب الآخرة" (انظر روضة العقلاء ص18 وما بعدها).
- هذا غيض مِن فيض في فضل العقل، وسعي العبد للحكمة التي هي العلم النافع والغذاء الصالح له.
- والعقل اسم يقع على المعرفة بسلوك الصواب، والعلم باجتناب الخطأ.
- ولا يولد أحد عالمًا، وإنما العلم بالتعلم، وعلى الوالدين تقع هذه المسئولية.
خصائص الملكات العقلية في هذه المرحلة:
ينطلق الوالدان مِن هذه الخصائص قيامًا بمسئولية التربية الفكرية بُغية الوصول إلى التكامل التربوي السليم في شخصية طفلهما.
1- الذكاء:
وهو سرعة الفهم، والذكي هو مَن وُهب القدرة على الفهم السريع، وهو محض فضل مِن الله -تعالى-، ولحِكَمٍ عظيمة فاوت الله -عز وجل- فيه بيْن عباده كغيره مِن العطايا، قال الله -تعالى-: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (الزخرف:32).
قال العلامة الجزائري -حفظه الله-: "فيها بيان الحكمة في الغنى والفقر، والصحة والمرض، والذكاء والغباء" اهـ مِن التفسير 4/638.
- وأخبر -صلى الله عليه وسلم- أنه بقَدَر؛ فقال: (كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزُ وَالْكَيْسُ) (رواه مسلم).
قال القاضي عياض -رحمه الله-: "الكيس ضد العجز، وهو النشاط والحذق بالأمور، ومعناه: أن العاجز قد قـُدِّر عجزُه، والكيِّس قد قـُدِّر كيسُه" اهـ مِن شرح النووي 16/205.
ودلتنا السنة أيضًا على أن الوالد يرث مِن والديه؛ لذا حثتنا السنة على حسن اختيار الزوجة، فعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَانْكِحُوا الأَكْفَاءَ، وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ) (رواه ابن ماجه والحاكم، وصححه الألباني).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ)(متفق عليه).
يقول علماء التربية:
يتميز الذكاء في مرحلة الطفولة المبكرة بنمو سريع، ولهذا كان الاهتمام بالولد في هذه السنوات الأولى مُهمًا؛ لتنمية ذكائه وبنائه. فعلى الأب أن يتعرف على ذكاء ولده، وسبل تنميته، ويُمكنه أن يعرف ذلك بأمور.. منها:
- طلبه لمعالي الأمور، كأن يقول: أنا الأول، أو يقول لرفاق اللعب: مَن معي؟ فهذا ذكاء وتميز وظهور مبكر لقيادته وتقدمه.
- وكذا كثرة حركته، وزهده في السكون، فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن هناك علاقة بين الحركة والعقل، ولذلك ينبغي ألا نحد مِن حركته، وألا نمنعه من اللعب، بل نوفر له البيئة المناسبة لاستغلال طاقته وإخراجها.
- وكذا أسئلته المستمرة، وحب الاستطلاع، وهنا ينبغي الإنصات له، وتشجيعه والإجابة عن أسئلته بصدق ووضوح، وبما يتناسب مع عقله، والحذر من صدِّه أو تعنيفه لعدم كبته وقتل هذه الملكات.
بل وإذا بلغ سنًا يُمكنه فيه القراءة شجعناه عليها، واستثرنا معلوماته بالأسئلة، واستمعنا له باهتمام، فهذا يدفعه إلى مزيد، ويُربيه على الشجاعة والجرأة، وفصاحة اللسان والبيان.
- وفي مرحلة الطفولة المبكرة نحكي له قصصًا مناسبة بعيدة عن الأساطير، وبلغة سهلة فصيحة تزيد مِن ثروته اللغوية، ونطالبه بإعادتها.
- وينبغي أن نراعي المكافأة إذا أحسن، وأن نساعده على الإحسان إذا أساء.
- نستثير ذهنه بالأسئلة المتنوعة، فإن أصاب شجعناه بالكلمات الطيبة والجوائز المحبوبة لنفسه.
- نعوِّده ألا يسأل إلا بعد أن يفكر في الجواب، فإن عجز قربنا له الجواب عن طريق الحوار المتدرج مِن الأسهل إلى الأصعب، وهكذا حتى يصل إلى الجواب الصحيح.
- يُعوَّد أن يسأل سؤالاً صحيحًا؛ فإن سأل عن الله -تعالى- بـ:"من خلق الله؟"، قلنا له: ماذا قال الله عن نفسه في سورة الإخلاص؟ إذن، فهو لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد.
ثم نقول له: ينبغي أن يكون السؤال عن الله -تعالى- عن آياته وآلائه، ونرشد إلى التأمل والتدبر في خلق الله -تعالى- في السماء وما فيها، والأرض وما عليها؛ ليكون له تبصرة وذكرى، وشوقًا إلى الله، وحبًا له.
- توفير ألعاب مناسبة حلال له في البيت يلعب بها مِن آنٍ لآخر خاصة ألعاب الذكاء التي تنمي مهارات التفكير.
- نشركه في مرحلة الطفولة المتأخرة في حل القضايا والمشكلات البسيطة، وإحضاره مجالس العلم ومجالس الكبار لتتسع مداركه، وحذار مِن الاستهانة به أو ملكاته، فللصبي حدة ذهن قد لا تكون للكبير، دلَّ على ذلك حديث ابن عمر -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟). فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ -أي: لوجود كبار الصحابة أمثال أبي بكر وعمر- ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: (هِيَ النَّخْلَةُ) (متفق عليه). وفي رواية لمسلم: قال عبد الله: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ. قَالَ: "لأَنْ تَكُونَ قُلْتَ: هِيَ النَّخْلَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا". وهذا تشجيع مِن عمر لابنه أن يتحدث في مجالس الكبار ما دام سيتحدث بعلم عجزوا عنه.
وفيه أيضًا: أن العلم مفتوح ومواهب يفتح الله به على مَن يشاء مِن عباده، وإن كان صغير السن كابن عباس أيضًا الذي كان يحضره عمر -رضي الله عنه- مجالس الكبار لعلمه، ويقول له: "قل ولا تحقر نفسك"!
وكان ابن شهاب الزهري -رحمه الله- يشجع الأطفال، ويقول: "لا تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يتبع حدة عقولهم".
وكان الحسن يقول: "قدموا إلينا أحداثكم؛ فإنهم أفرغ قلوبًا، وأحفظ لما سمعوا".
- وننبه هنا على أن التربية كلٌّ متكامل، بعضها مرتبط ببعض، فالتربية الفكرية مرتبطة جدًا بالتربية النفسية، فالجو الذي يشيع فيه الحب والرفق والتشجيع يُخرج ملكات الطفل ومواهبه وينميها، فيحاول الأبوان الكريمان أن يجعلا ابنهما بهذه المثابة، والحذر ثم الحذر مِن الضدِّ.
2- الحفظ والتذكر:
- يمتاز الطفل في هذه المرحلة بقدرة فائقة على الحفظ والتذكر؛ لصفاء ذهنه، وسرعة نمو ذكائه، وعلى الأبوين ألا يهملا هذه الفترة، ولا يقولا: صغير.. أو يتركانه حتى يذهب إلى المدرسة أو الروضة، بل ينبغي بذل الجهد لاغتنام هذه الفترة، واستغلالها استغلالاً حسنًا يعود على الطفل بما ينفعه، بتسطير ما ينفعه في صفحته البيضاء.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "مَن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم مِن قبل الآباء أو إهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم" (تحفة المودود: ص161).
- وخير ما يُنقش في قلبه الطاهر كلامُ الله -تعالى-، وتقدم الكلام عليه في مقال: "التربية الإيمانية".
- وينبغي التركيز وعدم الإهمال، ويبدأ معه بالقليل مع التحفيز.
- وبجنبه أسباب الإلهاء ومعاصي الله -تعالى-، وكذا التوتر والانفعال.
- ويحفظه بعض أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- القصار، والتي تتناسب مع فئته العمرية، وإن وجد مِن ابنه إقبالاً وحدة ذكاء أكثر معه.
- ويحفظه أيضًا بعض الطيب مِن أشعار المؤمنين الصالحين.
- ويحفظه أيضًا بعض الأمثال الصحيحة فهي حكمة الشعوب.
- ويحفظه أيضًا بعض الأقوال الحكيمة التي وردت عن السلف الصالح -رضي الله عنهم-؛ ليرتبط بهم.
والقصة لها أهمية كبيرة في التربية الفكرية والنفسية؛ فهي تثير خياله، وتشد انتباهه، وتنمي لغته، وتدخل عليه السرور والبهجة، وتعلمه الآداب والأخلاق، وتربطه بالقرآن، وتُشغفه إلى الاقتداء بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، والصالحين مِن: الصحابة، والتابعين، والعلماء، وغيرهم..
ولذلك لا بد أن يُراعى في القصة ما يلي:
- أن تكون مِن القرآن والسنة.
- أن تُحكى له بصورة مجملة، وبأسلوب سهل فصيح يتناسب ولغة الطفل، وما أُبهم عليه فسرناه، وبذلك تزداد لغته الفصيحة.
- أن تُحكى بأسلوب شيق كأنه يراها "دراما القصة"، وهي: إظهار الانفعالات في الوجه والصوت، فإن كان الفعل أو القول قبيحًا قبحناه، وإن كان حسنًا حسَّنَّاه.
- إظهار فوائد القصة، وحثه على العمل بما فيها.
- تجنب ما لا يفهمه الطفل مِن القصة، ويُرجأ إلى مرحلة عمرية متقدمة.
- أن نحكي له قصة مِن السيرة أو قصة صحابي أو تابعي.
- وإن كانت القصة مِن غير ذلك، فينبغي أن يُراعى فيها الواقعية وعدم الكذب، وألا تكون خيالية أو مرعبة، وتهدف إلى قيم خلقية أو أدبية أو علمية، وأن يكون فيها جانب الفكاهة التي تدخل على نفس الطفل البهجة والسرور، وألا تكون مترجمة تحكي مجتمعات كافرة.
- وهذا يستلزم مِن الأب اطلاعًا وإعدادًا، ولن يكون هذا صعبًا على مَن استشعر المسئولية التي كلفه الله بها.
- ويعلمه ويحفظه ما ينفعه في أمر دينه ودنياه.
- وأن يغرس في نفسه عقيدة الولاء والبراء التي يسعى الأعداء لهدمها في نفوس الناشئة، كما كان السلف يفعلون؛ فعن إسماعيل بن جعفر قال: كان علي بن الحسين يعلِّمُ ولده يقول: "آمنت بالله، وكفرت بالطاغوت".
وعن عمرو بن شعيب قال: "كان الغلام إذا أفصح من بني عبد المطلب علَّمه النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية سبع مرات: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) (الإسراء:111)".
- وأن يعلمه أركان الإسلام والإيمان والإحسان، ومِن خير ما يُستفاد منه هنا كتاب "البنيان" و"الأساس" للمربي الفاضل الشيخ "مصطفى دياب" -حفظه الله-.
- ويراعي في تعليم الوضوء والصلاة اقتران الجانب العملي بالجانب النظري.
- ويعلمه الكتابة التي هي نعمة مِن الله عظيمة، كما قال الله -تعالى-: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ . اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ . الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق:1-5).
قال القرطبي -رحمه الله-: "يعني الخط والكتابة، أي: علم الإنسان الخط بالقلم". قال قتادة -رحمه الله-: "القلم نعمة مِن الله -تعالى- عظيمة، لولا ذلك لم يقم الدين، ولم يصلح عيش"، فدل على كمال كرمه -سبحانه وتعالى- بأن علَّم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم مِن ظلمة الجهل إلى نور العمل، ونبَّه على فضل علم الكتابة؛ لما فيه مِن المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو. وما دُونت العلوم، ولا قُيِّدت الحِكم، ولا ضُبطت أخبار الأولين ومقالاتهم، ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة، ولولا هي ما استقامت أمور الدين والدنيا"اهـ مِن التفسير 90/20.
- فيُدَرِّبُهُ الأبوان على إمساك القلم مِن الثانية إلى الرابعة حيث يمكنه ذلك، وتوفر له بعض الأوراق الكبيرة البيضاء أو الملونة مع استخدام الأقلام الملونة الجذابة.
- ولا ننسى التشجيع والتقبل لما يكتبه، والحذر مِن عيبه، وحبذا في جميع أمور الطفل أن نرشده إلى الصواب، وكيفية الوصول إليه بدلاً مِن عيبه الذي يُحبطه ويثبطه، وقد لا يتمكن مِن الكتابة أو المهارة -فيما بعد- إلا بصعوبة.
- ويعوَّد الولد على استخدام اليمين في طعامه وشرابه وكتابته، وإن كان يكتب بيساره عُوِّد على الكتابة باليمين بالرفق، وقد أمكن ذلك بالتدريب والممارسة.. إلا إن صعُب عليه ذلك فلا بأس؛ لأن النهي ورد في الطعام والشراب -والله أعلم-.
وهذا الذي ذكرناه في هذه المسألة هو الصحيح -إن شاء الله-، جاء في كتاب "مشكلات الطفولة" ص48 ما يلي: "أما حالة الكتابة باليد اليسرى ومحاولة تصحيحها. فمن الصعب التسليم برأي قاطع فيها، ولهذا يجب أن نعالجها في حذر، ذلك أن هناك تيارين متعارضين في هذا الصدد، فالدراسات الإحصائية تثبت أن الأغلبية الساحقة مِن الأطفال الذين أجبروا على تغيير استعمال أيديهم التي يكتبون بها بالأيدي الأخرى لم تظهر عليهم آثار هذه الأمراض (أي: أمراض النطق).. " اهـ.
- ويُفضَّل أن يكتب أول ما يكتب: "اسم الله -تعالى-"، وكلمة: "لا إله إلا الله"؛ لما لها مِن أثر عظيم في نفس الطفل.
الالتحاق بالمدرسة:
وهذه خطوة انتقالية لها أثرها على نفس الطفل؛ حيث ينتقل مِن عالم الأسرة الصغير إلى عالم المدرسة الكبير، وقد تؤثر هذه الخطوة على نفسه إيجابًا أو سلبًا؛ لذلك لابد مِن الأخذ بهذه الإرشادات حتى تنجح وتمر بسلام.
- ينبغي أن يُعوَّد الطفل اللعب مع أقرانه المختارين بعناية لنزع عامل الخوف مِن الاختلاط بالآخرين.
- ينبغي أن نُهيئه لخطوة الالتحاق بالمدرسة، وأن نحفزه لذلك، ونشجعه، كالحديث الجيد عن المدرسة وما فيها، وبإعداد مستلزمات المدرسة مِن حقيبة وأقلام وغير ذلك.
- ينبغي أن نجتهد في اختيار المدرسة المناسبة له خاصة القائمين عليها.
قال الماوردي -رحمه الله-: "يجب أن يجتهد في اختيار المعلم، والمؤدب له اجتهاد في اختيار الوالدة والظئر (المرضع)، بل أشد منه؛ فإن الولد يأخذ مِن مؤدبه مِن الأخلاق والشمائل والآداب والعادات أكثر مما يأخذ مِن والده؛ لأن مجالسته له أكثر، ومدارسته معه أطول" (اهـ نقلاً عن منهج التربية النبوية ص362).
- ويزداد هذا الاختيار أهمية إذا علمنا أن المدارس اليوم قد أصبحت دوارس؛ مناهجها والقائمين عليها -إلا ما رحم الله- "فقد شن أعداء الإسلام حملة حاقدة، ورفعوا لواءً إلحاديًا لئيمًا في تدمير الطفل المسلم، فاختاروا له المعلم الكافر والفاسق، وهيأوا له مدرسة عصرية تبعده عن منهج الله وشرعه" (السابق ص362، وحسبنا الله ونعم الوكيل).
وليس معنى ذلك أننا لن نذهب بأولادنا إلى المدارس، فهذا لا بد منه، ولكن نجتهد في اختيار مدرسة مناسبة له، مع المتابعة لما يتلقاه، فما يحتاج إلى تقويم مِن الأفكار أو الآراء المنحرفة قوَّمناه، ولا نكتفي بذلك، بل لا بد من تعويض انحراف هذه المناهج ونقصها إلى ما يكمل البناء الفكري الصحيح لطفلنا.
- ولا يجوز أن نشعره أو نقول له: إن كل ما يُلقى عليه في المدرسة صحيح، ويجب اعتقاده، فهذه خيانة وغش وهروب مِن تحمل المسؤولية.
- وينبغي متابعته في المدرسة، وإقامة علاقة طيبة مع مديرها ومعلميها، بُغية التواصل والإصلاح قدر المستطاع بضوابطه.
- وأما ما يجده طفلنا مِن تناقض بيْن البيت الملتزم الذي تربى فيه، وبين الانحرافات التي سيراها مِن مجتمع المدرسة أو المجتمع الكبير، فيعالج بالقدوة الحسنة في البيت مِن الأبوين، والصبر عن المعاصي ووسائلها لا الانجراف وراء أهواء الطفل، فلن يزيد الأمر إلا سواءً وانحرافًا.
مع محاولة إشباعه بالمباح مِن أنواع الملاهي، وإشاعة جو الحب والألفة في البيت والحذر مِن فقدان ذلك، فسوف يبحث عنه في مكان آخر.
- والاقتراب مِن الطفل والاستماع له مهم جدًا، وكذا الاهتمام بمعرفة مَنْ يُجالس ويصاحب؛ لئلا تكون مفاسد، ولنعلم أن أثر التربية في السنين السابقة سيظهر الآن وسنجد خيرًا -إن شاء الله-.
- وينبغي السماح له باللعب، وتركه وما يحب مِن اللعب واللهو المباح حتى يحب القراءة والتعلم.
يقول الغزالي -رحمه الله-: "وينبغي أن يُؤذن له بعد الانصراف مِن الكُتاب أن يلعب لعبًا جميلاً، يستريح إليه مِن تعب المكتب بحيث لا يتعب في اللعب، فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه إلى التعلم دائمًا يُميت قلبه، ويُبطل ذكاءه، ويُنغص عليه العيش، حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأسًا" اهـ.
المدارس التنصيرية (الأجنبية):
لقد تفطن أعداء الإسلام إلى أهمية التربية والتعليم ودورهما في توجيه ورعاية النشء الجديد، فقد اهتموا بإنشاء رياض الأطفال والمدارس ودور الحضانة في بلاد المسلمين؛ وذلك ليشرفوا بأنفسهم على تربية الأجيال مِن أبناء المسلمين على ما يريدونه مِن الانحراف الفكري والزيغ عن دين الإسلام.
ففي الأردن مثلاً البلد الذي لا يزيد عدد سكانه عن مليونين أنشأ المنصرون ألفًا ومائة وثلاثة وثلاثين روضة للأطفال، ومائة وأربعًا وستين مدرسة تنصيرية، فإذا كان هذا اهتمام المنصرين ببلد صغير كالأردن؛ فكيف يكون اهتمامهم ببلد كبير كمصر أو باكستان أو إندونيسيا.. ؟! (مسئولية الأب المسلم ص334).
ولنرجع إلى الوراء قليلاً ذاكرين بعض أقوال هؤلاء المنصِّرين؛ لنكون على حذر مِن هذه المدارس التي ما زالت تنهش في عقيدة ودين نشئنا، ولو لم يخرجوا مِن هذه المخططات الشيطانية إلا بتمييع عقيدة الولاء والبراء؛ لكان نصرًا لهم -على حسب زعمهم-!
يقول "زويمر" زعيم المنصرين في مؤتمر مدينة القدس عام 1935م: "إنكم أعددتم نشئًا في ديار الإسلام لا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها! وأخرجتم المسلم مِن الإسلام، ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء الإسلامي طبقًا لما أراد له الاستعمار، لا يهتم بالعظائم، ويحب الراحة والكسل، ولا يصرف همه في دنياه إلا في الشهوات، فإذا تعلم فللشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات. إنه يجود بكل شيء للوصول إلى الشهوات" اهـ.
وقال المستشرق "جب" -والذي كان عضوًا في المجمع اللغوي بالقاهرة-: "لقد استطاع نشاطنا التعليمي والثقافي عن طريق المدرسة العصرية والصحافة أن يترك في المسلمين -ولو من غير وعي منهم- أثرًا يجعلهم في مظهرهم العام لا دينيين إلى حد بعيد، ولا ريب أن ذلك خاصة هو اللب المثمر في كل ما تركت محاولات الغرب لحمل العالم الإسلامي على حضارته مِن آثار، فالواقع أن الإسلام كعقيدة، وإن لم يفتقد إلا قليلاً مِن أهميته وسلطانه، ولكن الإسلام كقوة مسيطرة على الحياة الاجتماعية قد فقد مكانه" اهـ.
هكذا تفوه أعداء الله -تعالى- وما تُخفي صدورُهم أكبر! ونسوا أن هذا الدين هو دينه الحق، وأن الله -تعالى- تكفل بحفظه وظهوره على الأديان كلها ولو كره الكافرون، فقد خبَّأ الله -تعالى- لهم الصحوة الإسلامية التي جعلتهم يُصرِّحون في العصر المتأخر أن عدوهم الإسلام -"خاصة السلفية"-!
في تقرير حديث صدر مِن "جامعة تل أبيب" بتاريخ 3-3-1432هـ الموافق 7-2-2011م قال: "إن هناك نموًا دينيًا وتربويًا للشباب المصري، أصبح ظاهرًا للعيان خلال الفترة الأخيرة".
وذكر أن الشباب في الفترة العمرية ما بين 16 إلى 25 عامًا يكونون في مرحلة تكوين عقلي، وتتسم عقولهم بالانفتاح، ويتأثرون بالعاطفة، ومِن هنا رأت الدراسة خطورة تأثرهم بالفضائيات الدينية التي لها التأثير عليهم بشكل كبير.
- وقالت: إن تلك الفضائيات لعبت دورًا مؤثرًا في نفوس الشباب بدعوتها إياهم إلى التحلي بمكارم الأخلاق والعبادة، والتقرب إلى دينهم، وقراءة "القرآن الكريم"، وتناول الآيات التي تتحدث عن اليهود، وحياتهم وطبائعهم، وهو ما يعني زيادة العداء لإسرائيل الذي ربما يصل إلى العنف.
- وأوضحت أن أكثر مِن 85% مِن الفتيات المصريات أصبحن يرتدين غطاء الرأس، و60% مِن الشباب يحمل في أمتعته القرآن الكريم، وتتصف تصرفاتهم بقدر كبير مِن العقلانية والتروي، بخلاف ما كان عليه الشباب قبل عشر سنوات، حيث كان يظهر عليه التوحش الجنسي، والإقدام على الخطايا وحب الذنوب!
- وتوصي شبابها اليهودي المستخدم لشبكة الإنترنت بأن يؤدي واجبه، ويعمل ما يقدر عليه؛ لإلهاء الشباب المسلم عن الدين الإسلامي" اهـ ملخصًا مِن موقع المختصر الإلكتروني.
فالله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين! (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:21).
وهذه نصيحة لكل والدين انخدعا في هذه المدارس، أو لمن أدخل فلذة كبده براثنها لفضيلة العلامة "محمد الخضر حسين" شيخ الأزهر الأسبق -رحمه الله-، يقول:
"يَعْمَد -أي: الأب- إلى ولده وهو صافي الفطرة، فيُلقيه في بيئة يتولاه فيها مَن لا يرقبون إلاًّ ولا ذمة، فلا يزالون يلقنونه زيفًا، ويبذرون في نفسه شرًا، والذي خبُث لا يخرج إلا نكدًا.
ذلك مثل المسلم الذي يهبه الله -تعالى- ولدًا ليسلك به هداية، ويُعده لأن يكون عضوًا يرتاح لسعادة قومه، ويتألم لشقائهم، فإذا هو يبعث به إلى مدارس أُسست لمحاربة الدين الحنيف ولقتل العاطفة الإسلامية، وهي المدارس التي تُنشئها في بلادنا الجمعيات التي يقال لها: "جمعيات التبشير".
- إن الذي يقذف بولده بيْن جدران هذه المدارس لا تكون جريمته من جريمة أولئك الذين كانوا يقتلون أولادهم خشية إملاق ببعيد... ألم يقم الدليل إثر الدليل على أن القائمين بأمر التعليم يُلقنون أبناء المسلمين معتقدات ديانة غير إسلامية، ويحملونهم على تقاليدهم، ويتعرضون للطعن في شريعة الإسلام بطرق شأنها أن تؤثر على الأطفال، ومَن هم بمنزلة الأطفال في عدم معرفتهم بحقائق الدين معرفة تقيهم مِن شر ذلك الإغواء؟!
- ليس الذي يزج بابنه في مدارس التبشير بالذي يقتل نفسًا واحدة، ولكنه يقتل خلقًا كثيرًا، ويجني بعد هذا الأمة بأجمعها، ولا أقول هذا مبالغة، فقد يصير هذا الولد أستاذاً من بعدُ، ويفسد على طائفة عظيمة من أبناء المسلمين أمر دينهم ووطنيتهم، كما أفسد عليه أولئك القُسس أمر دينه ووطنيته، وقد أرتنا الليالي أن مِن المتخرجين مِن هذه المدارس مَن يملك سلطة على قوم مسلمين، فيجدون فيه مِن الغلظة والمكر، وعدم احترام الشريعة، ما لا يجدونه في الناشئ على غير الإسلام.
- قد ينال الطالب في هذه المدارس علمًا، وليس هذا العلم في جانب ما يخسره من دينه، وما يفوته مِن الإخلاص لأمته بالشيء الذي يثقل وزنه، ولكنها الأهواء التي أخذت القلوب، فتبعث الرجل على أن يأخذ بيد ابنه، وهو كالملاك طُهرًا وطيبة، ويقوده إلى حيث يشهد ازدراء قومه، والطعن في الحنيفية السمحة، فلا يلبث أن ينقلب ذلك الطهر رجسًا، وذلك الطيب خُبثًا، وتكون العاقبة من نسمعه عن كثير من المتخرجين من هذه المدارس، وما نرى إلى الأستاذ صاحبة مدرسة "التهذيب الإسلامي"، وذكر له أنه أدخل ابنه في مدرسة من المدارس الأجنبية، فأزاغوا عقيدته، وبلغ به الحال أن صار يدعوني وأمه إلى النصرانية، ثم رغب إليَّ الأستاذ، وهو مملوء حزنًا وندمًا، أن يعالج قلب هذا الغلام، ويعرض عليه محاسن الإسلام، لعله يزَّكَّى.
- ثم ذكر قصة أخرى.. إلى أن قال: "إنما نوجه إنكارنا، بل موعظتنا إلى إخواننا المسلمين الذي يقذفون أبناءهم في بيئة لا يخرجون منها إلا وقد غشى نفوسهم ضلال مِن فوقه ضلال، ومِن فوقه لوثة أخلاف حقيرة، ظلمات بعضها فوق بعض، ولَظلمات الآخرة أشد وأبقى" (اهـ نقلاً عن منهج التربية النبوية صـ365-366).
قضية اللغة:
- ينبغي على الوالدين الكريمين أن يهتما بلغة طفلهما، والعمل على تلقينه اللغة العربية الفصيحة السهلة، لما لها مِن أثر بالغ على العقل والخُلق والدين.
"واللغة: هي القوالب والأوعية التي ينتقل مِن خلالها الفكر والخلق والاعتقاد"، وهي "تساعد على تنشئة وعي الفرد وتشكيله الاجتماعي بصورة قوية".
وهي "مفتاح العلوم كلها، وكلما قوي الطفل باللغة كان سببًا في قوته فيما بعد لأي علم من العلوم رغب في تعلمه، وأحب أن يكتسبه".
ولأهميتها اهتم لها سلفنا، وحرصوا على تعليمها أولادهم، وأوصى بها علماؤنا.
قال الماوردي -رحمه الله-: "فإذا بلغ التأديب والتعليم، فالوجه أن يبدأ بتعليم القرآن مع اللغة العربية؛ لأنها اللغة التي أنزل الله -تعالى- بها كتابه، وخاطب بها في شرائع دينه، وفرائض ملته، وبها بلَّغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سنته، وبها ألفت الكتب الدينية والحكمية، والجدية والهزلية، وبها تُكتب رسائلهم، والصكوك التي جعلها الله وثائق بينهم، فلا بد للناشئ في هذه الملة مِن تعلمها، وإلا كان جاهلاً بالدين منقوصًا في الملل".
وقال فيما يُعلم الطفل منها: "والصواب في تدبير ذلك، أن تُروى له، ويعلم، ويحفظ الأشعار الحُكمية، التي ضمت الحكمة، والتوحيد، والدين، والبعث على العلم، والزهد، والشجاعة، والجود، ومكارم الأخلاق؛ لينشأ على معرفة الفضائل، ومحبة نيل الممادح نشوءًا، ويعتادها عادة، فيجتمع له في ذلك فائدة الفصاحة والبيان، ومعرفة المبتذل من الكلام، وكثير مِن الغريب، والوقوف على المعاني الفاضلة" اهـ نقلاً عن منهج التربية النبوية صـ368.
- ويبدأ تعليمها بالتلقين في فترة الرضاع المناغاة، فتناغيه بأحسن الأسماء "الله" حتى إذا نطق نطق بها.
قال إبراهيم التيمي -رحمه الله-: "كانوا يستحبون أن يلقنوا الصبي إذا أعرب أول ما يتكلم: "لا إله إلا الله" سبع مرات، فيكون ذلك أول شيء يتكلم به" (رواه ابن أبي شيبة في مصنفه 1/383).
- ويُشجع الولد على الكلام، ويُستمع له باهتمام، فهو حافز عظيم على جد الولد في تعلم اللغة، والنطق بها.
- إتاحة الفرصة له ليلعب لاستخراج طاقاته، وتنمية عقله وجسمه، ومشاركته ذلك ومحادثته، ليُنمي عمليات التفكير والانتباه والتذكر.
- إتاحة الفرصة ليلعب مع أقرانه المختارين بعناية، لإزالة الخوف من نفسه، وتعلم المزيد من المفردات.
- تحفيظه القرآن الكريم، وأنعم بها وسيلةً لتقويم اللسان، ومعالجة أخطاء التخاطب، وزيادة مفردات اللغة، كما أنه يقوي الحفظ والذاكرة، ونور في القلب والعقل.
- يُسمح له بمشاهدة الأفلام الكرتونية المُعدَّة بلغة فصيحة سهلة.
- وحكاية القصص الشيقة له، ومطالبته بحكايتها مرة أخرى، مع حسن الاستماع إليه، وتشجيعه على ذلك.
- ويُنبه على أن ذلك لن يتحقق إلا في جو مِن الألفة والمحبة والرفق وإلا أدى إلى مشكلة التهتهة واللعثمة، وهي مشكلة خطيرة لها آثارها النفسية السيئة على الطفل حياته إلا أن يعافيه الله -تعالى-.
- وقد يرجع سبب هذه المشكلة إلى الوراثة أو الإهمال أو العنف أو السخرية لا سيما إن خرجت منه بدون قصد.
- فعلى الأبوين غرس الثقة في نفس طفلهما، وتشجيعه على الكلام، وعدم السخرية منه، مع تصحيح العبارات له، وأن يكون الحديث معه بعيدًا عن إخوانه وأقرانه.
- وينبغي التأني والرفق وعدم التعجل والعنف.
- ونحذر مِن ترك الطفل ينطق الكلمة خطأ دون تصحيح تسلية وضحكًا.
- فإذا دخل طفلنا المدرسة، وتمكن مِن القراءة حببنا إليه القراءة بالقدوة أولاً، ثم بحثِّه ثانيًا مع تشجيعه.
- تتم المناقشة فيما قرأ، ونطلب منه تلخيص ما قرأ كتابة ثم قراءته جهرًا، ثم يطلب منه فيما بعد أن يقرأه مِن حفظه.
- تُعَد مكتبة خاصة بكتبه وقصصه، ويُعلم كيف يتعامل معها، وكيف يحترمها.
اللغة الأجنبية:
بعد أن يُتقن الطفل اللغة العربية بشكل جيد، ويحفظ شيئًا مِن القرآن والحديث، فلا بأس بإتقان لغة أجنبية سائدة، كالإنجليزية التي تدرس في مدارسنا، ونجعل نيته في ذلك استخدامها في الدعوة إلى الله -تعالى-، ومساعدة على دراسته، وليأمن مكر الأعداء، فقد طلب النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- أن يتعلم له لغة يهود، وقال: (يَا زَيْدُ تَعَلَّمْ لِي كِتَابَ يَهُودَ فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي). فَتَعَلَّمْتُهُ فَلَمْ يَمُرَّ بِي إِلاَّ نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى حَذَقْتُهُ فَكُنْتُ أَكْتُبُ لَهُ إِذَا كَتَبَ وَأَقْرَأُ لَهُ إِذَا كُتِبَ إِلَيْهِ. (رواه أبو داود والترمذي، وقال الألباني: حسن صحيح). (انظر منهج التربية النبوية بتصرف ص369).
- وأخيرًا: ينبغي أن يُوجَّه الطفل إلى ما ينفعه في أمر دينه ودنياه وفق ميوله وقدراته، و(نِعْمًا بِالْمَالِ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
وما الدنيا إلا مزرعة للآخرة، وخُلقنا فيها لعبادة الله -تعالى-، ويُستعان بها لتحقيق هذه الغاية، والله -تعالى- أعلم.
وصلى الله على محمد، وآله وصحبه أجمعين.