{الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)}
قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} يجوز في {فاطِرِ} ثلاثة أوجه: الخفض على النعت، والرفع على إضمار مبتدأ، والنصب على المدح.
وحكى سيبويه: الحمد لله أهل الحمد مثله وكذا {جاعِلِ الْمَلائِكَةِ}. والفاطر: الخالق. وقد مضى في يوسف وغيرها. والفطر. الشق عن الشيء، يقال: فطرته فانفطر. ومنه: فطر ناب البعير طلع، فهو بعير فاطر. وتفطر الشيء تشقق. وسيف فطار، أي فيه تشقق. قال عنترة:
وسيفي كالعقيقة فهو كمعي *** سلاحي لا أفل ولا فطارا
والفطر: الابتداء والاختراع. قال ابن عباس: كنت لا أدري ما {فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي أنا ابتدأتها. والفطر. حلب الناقة بالسبابة والإبهام. والمراد بذكر السماوات والأرض العالم كله، ونبه بهذا على أن من قدر على الابتداء قادر على الإعادة. {جاعِلِ الْمَلائِكَةِ} لا يجوز فيه التنوين، لأنه لما مضى. {رُسُلًا} مفعول ثان، ويقال على إضمار فعل، لان فاعلا إذا كان لما مضى لم يعمل فيه شيئا، وإعماله على أنه مستقبل حذف التنوين منه تخفيفا. وقرأ الضحاك {الحمد لله فطر السماوات والأرض} على الفصل الماضي. {جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا} الرسل منهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، صلى الله عليهم أجمعين. وقرأ الحسن: {جاعل الملائكة} بالرفع. وقرأ خليد بن نشيط {جعل الملائكة} وكله ظاهر. {أُولِي أَجْنِحَةٍ} نعت، أي أصحاب أجنحة. {مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ} أي اثنين اثنين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة. قال قتادة: بعضهم له جناحان، وبعضهم ثلاثة، وبعضهم أربعة، ينزلون بهما من السماء إلى الأرض، ويعرجون من الأرض إلى السماء، وهي مسيرة كذا في وقت واحد، أي جعلهم رسلا. قال يحيى بن سلام: إلى الأنبياء.
وقال السدي: إلى العباد برحمة أو نقمة.
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى جبريل عليه السلام له ستمائة جناح. وعن الزهري أن جبريل عليه السلام قال له: «يا محمد، لو رأيت إسرافيل إن له لاثني عشر ألف جناح منها جناح بالمشرق وجناح بالمغرب وإن العرش لعلى كاهله وإنه في الأحايين ليتضاءل لعظمة الله حتى يعود مثل الوصع والوصع عصفور صغير حتى ما يحمل عرش ربك إلا عظمته». و{أولو} اسم جمع لذو، كما أن هؤلاء اسم جمع لذا، ونظيرهما في المتمكنة: المخاض والخلفة. وقد مضى الكلام في {مثنى وثلاث ورباع} في {النساء} وأنه غير منصرف. {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ} أي في خلق الملائكة، في قول أكثر المفسرين، ذكره المهدوي.
وقال الحسن: {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ} أي في أجنحة الملائكة ما يشاء.
وقال الزهري وابن جريج: يعني حسن الصوت. وقد مضى القول فيه في مقدمة الكتاب.
وقال الهيثم الفارسي: رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامي، فقال: «أنت الهيثم الذي تزين القرآن بصوتك جزاك الله خيرا».
وقال قتادة: {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ} الملاحة في العينين والحسن في الأنف والحلاوة في الفم.
وقيل: الخط الحسن.
وقال مهاجر الكلاعي قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الخط الحسن يزيد الكلام وضوحا».
وقيل: الوجه الحسن. وقيل في الخبر في هذه الآية: هو الوجه الحسن والصوت الحسن والشعر الحسن، ذكره القشيري. النقاش: هو الشعر الجعد.
وقيل: العقل والتمييز.
وقيل: العلوم والصنائع. {إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} من النقصان والزيادة. الزمخشري: والآية مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق، من طول قامة، واعتدال صورة، وتمام في الأعضاء، وقوه في البطش، وحصافة في العقل، وجزالة في الرأي، وجرأة في القلب، وسماحة في النفس، وذلاقة في اللسان، ولباقة في التكلم، وحسن تأت في مزاولة الأمور، وما أشبه ذلك مما لا يحيط به وصف.
{ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)}
وأجاز النحويون في غير القرآن {فلا ممسك له} على لفظ {ما} و{لَها} على المعنى. وأجازوا {وما يمسك فلا مرسل لها} وأجازوا {ما يفتح الله للناس من رحمة} بالرفع تكون {ما} بمعنى الذي. أي إن الرسل بعثوا رحمة للناس فلا يقدر على إرسالهم غير الله.
وقيل: ما يأتيهم به الله من مطر أو رزق فلا يقدر أحد أن يمسكه، وما يمسك من ذلك فلا يقد أحد على أن يرسله.
وقيل: هو الدعاء: قاله الضحاك. ابن عباس: من توبة.
وقيل: من توفيق وهداية. قلت: ولفظ الرحمة يجمع ذلك إذ هي منكرة للاشاعة والإبهام، فهي متناولة لكل رحمة على البدل، فهو عام في جميع ما ذكر.
وفي موطأ مالك: أنه بلغه أن أبا هريرة كان يقول إذا أصبح وقد مطر الناس: مطرنا بنوء الفتح، ثم يتلو هذه الآية {ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها}. {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} تقدم.
{يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)}
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} معنى هذا الذكر الشكر. {هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} يجوز في {غَيْرُ} الرفع والنصب والخفض، فالرفع من وجهين: أحدهما: بمعنى هل من خالق إلا الله، بمعنى ما خالق إلا الله. والوجه الثاني: أن يكون نعتا على الموضع، لان المعنى: هل خالق غير الله، و{مِنْ} زائدة. والنصب على الاستثناء.
والخفض، على اللفظ. قال حميد الطويل: قلت للحسن: من خلق الشر؟ فقال سبحان الله! هل من خالق غير الله عز وجل، خلق الخير والشر. وقرأ حمزة والكسائي: {هل من خالق غير الله} بالخفض. الباقون بالرفع. أي المطر. أي النبات. من الافك بالفتح وهو الصرف، يقال: ما افكك عن كذا، أي ما صرفك عنه.
وقيل: من الافك بالكسر وهو الكذب، ويرجع هذا أيضا إلى ما تقدم، لأنه قول مصروف عن الصدق والصواب، أي من أين يقع لكم التكذيب بتوحيد الله. والآية حجة على القدرية لأنه نفى خالقا غير الله وهم يثبتون معه خالقين، على ما تقدم في غير موضع.
{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4)}
قوله تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ}. يعني كفار قريش. يعزي نبيه ويسليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليتأسى بمن قبله في الصبر. قرأ الحسن والأعرج ويعقوب وابن عامر وأبو حيوة وابن محيصن وحميد والأعمش وحمزة ويحيى والكسائي وخلف بفتح التاء على أنه مسمى الفاعل. وأختاره أبو عبيد لقول تعالى: {أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى: 53] الباقون {تُرْجَعُ} على الفعل المجهول.
{يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)}
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}. قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} هذا وعظ للمكذبين للرسول بعد إيضاح الدليل على صحة قوله: إن البعث والثواب والعقاب حق. قال سعيد بن جبير: غرور الحياة الدنيا أن يشتغل الإنسان بنعيمها ولذاتها عن عمل الآخرة، حتى يقول: يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي. قال ابن السكيت وأبو حاتم: {الْغَرُورُ} الشيطان. وغرور جمع غر، وغر مصدر. ويكون {الغرور} مصدرا وهو بعيد عند غير أبي إسحاق، لان {غررته} متعد، والمصدر المتعدي إنما هو على فعل، نحو: ضربته ضربا، إلا في أشياء يسيرة لا يقاس عليها، قالوا: لزمته لزوما، ونهكه المرض نهوكا. فأما معنى الحرف فأحسن ما قيل فيه ما قاله سعيد بن جبير، قال: الغرور بالله أن يكون الإنسان يعمل بالمعاصي ثم يتمنى على الله المغفرة. وقراءة العامة {الْغَرُورُ} بفتح الغين وهو الشيطان، أي لا يغرنكم بوساوسه في أنه يتجاوز عنكم لفضلكم. وقرأ أبو حيوة وأبو المال العدوي ومحمد بن المقع {الغرور} برفع الغين وهو الباطل، أي لا يغرنكم الباطل.
وقال ابن السكيت: والغرور بالضم ما اغتر به من متاع الدنيا. قال الزجاج: ويجوز أن يكون الغرور جمع غار، مثل قاعد وقعود. النحاس: أو جمع غر، أو يشبه بقولهم: نهكه المرض نهوكا ولزمه لزوما. الزمخشري: أو مصدر {غره} كاللزوم والنهوك.
{إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)}
قوله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}. أي فعادوه ولا تطيعوه. ويدلكم على عداوته إخراجه أباكم من الجنة، وضمانه إضلالكم في قول: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ} [النساء: 119] الآية. وقوله: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} [الأعراف: 17- 16] الآية. فأخبرنا عز وجل أن الشيطان لنا عدو مبين، واقتص علينا قصته، وما فعل بأبينا آدم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكيف أنتدب لعداوتنا وغرورنا من قبل وجودنا وبعده، ونحن على ذلك نتولاه ونطيعه فيما يريد منا مما فيه هلاكنا. وكان الفضيل بن عياض يقول: يا كذاب يا مفتر، أتق الله ولا تسب الشيطان في العلانية وأنت صديقه في السر.
وقال ابن السماك: يا عجبا لمن عصى المحسن بعد معرفته بإحسانه! وأطاع اللعين بعد معرفته بعداوته! وقد مضى هذا المعنى في البقرة مجودا. و{عدو} في قوله: {إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ} يجوز أن يكون بمعنى معاد، فيثنى ويجمع ويؤنث. ويكون بمعنى النسب فيكون موحدا بكل حال، كما قال عز وجل: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} [الشعراء: 77].
وفي المؤنث على هذا أيضا عدو. النحاس: فأما قول بعض النحويين إن الواو خفية فجاءوا بالهاء فخطأ، بل الواو حرف جلد. {إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ} كفت {ما} {إن} عن العمل فوقع بعدها الفعل. {حزبه} أي أشياعه. {لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ} فهذه عداوته. {الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ} يكون {الَّذِينَ} بدلا من {أَصْحابِ} فيكون في موضع خفض، أو يكون بدلا من {حِزْبَهُ} فيكون في موضع نصب، أو يكون بدلا من الواو فكون في موضع رفع وقول رابع وهو أحسنها يكون في موضع رفع بالابتداء ويكون خبره {لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ}، وكأنه. سبحانه بين حال موافقته ومخالفته، ويكون الكلام قد تم في قوله: {مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ} ثم ابتدأ فقال: {الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ}. في موضع رفع بالابتداء أيضا، وخبره {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} أي لذنوبهم. {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} وهو الجنة.
{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (
}
قوله تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} {من} في موضع رفع بالابتداء، وخبره محذوف. قال الكسائي: والذي يدل عليه قوله تعالى: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ} فالمعنى: أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ذهبت نفسك عليهم حسرات. قال: وهذا كلام عربي طريف لا يعرفه إلا قليل. وذكره الزمخشري عن الزجاج. قال النحاس: والذي قال الكسائي أحسن ما قيل في الآية، لما ذكره من الدلالة على المحذوف، والمعنى أن الله جل وعز نهى نبيه عن شدة الاغتمام بهم والحزن عليهم، كما قال عز وجل: {فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ} [الكهف: 6] قال أهل التفسير: قاتل. قال نصر ابن علي: سألت الأصمعي عن قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أهل اليمن: «هم أرق قلوبا وأبخع طاعة» ما معنى أبخع؟ فقال: أنصح. فقلت له: إن أهل التفسير مجاهدا وغيره يقولون في قول الله عز وجل: {فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ}: معناه قاتل نفسك. فقال: هو من ذاك بعينه، كأنه من شدة النصح لهم قاتل نفسه.
وقال الحسين بن الفضل: فيه تقديم وتأخير، مجازه: أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء.
وقيل: الجواب محذوف، المعنى أفمن زين له سوء عمله كمن هدي، ويكون يدل على هذا المحذوف {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ}. وقرأ يزيد بن القعقاع: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ} وفي {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} أربعة أقوال، أحدها: أنهم اليهود والنصارى والمجوس، قال أبو قلابة. ويكون، {سُوءُ عَمَلِهِ} معاندة الرسول عليه الصلاة والسلام.
الثاني: أنهم الخوارج، رواه عمر بن القاسم. يكون {سوء عمله} تحريف التأويل.
الثالث: الشيطان، قال الحسن. ويكون {سُوءُ عَمَلِهِ} الإغواء.
الرابع: كفار قريش، قاله الكلبي. ويكون {سُوءُ عَمَلِهِ} الشرك. وقال: إنها نزلت في العاص بن وائل السهمي والأسود بن المطلب.
وقال غيره: نزلت في أبي جهل بن هشام. {فَرَآهُ حَسَناً} أي صوابا، قال الكلبي. وقال: جميلا. قلت: والقول بأن المراد كفار قريش أظهر الأقوال، لقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ} [البقرة: 272]، وقوله: {وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} [آل عمران: 176]، وقال: {فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} [الكهف: 6]، وقوله: {لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}، وقوله في هذه الآية: وهذا ظاهر بين، أي لا ينفع تأسفك على مقامهم على كفرهم، فإن الله أضلهم. وهذه الآية ترد على القدرية قولهم على ما تقدم، أي أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا تريد أن تهديه، وإنما ذلك إلى الله لا إليك، والذي إليك هو التبليغ. وقرأ أبو جعفر وشيبة وابن محيصن: {فلا تذهب} بضم التاء وكسر الهاء {نَفْسُكَ} نصبا على المفعول، والمعنيان متقاربان. {حَسَراتٍ} منصوب مفعول من أجله، أي فلا تذهب نفسك للحسرات. و{عَلَيْهِمْ} صلة {تَذْهَبْ}، كما تقول: هلك عليه حبا ومات عليه حزنا. وهو بيان للمتحسر عليه. ولا يجوز أن يتعلق بالحسرات، لان المصدر لا يتقدم عليه صلته. ويجوز أن يكون حالا كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر، كما قال جرير:
مشق الهواجر لحمهن مع السرى *** وحتى ذهبن كلاكلا وصدورا
يريد: رجعن كلاكلا وصدورا، أي لم يبق إلا كلاكلها وصدورها. ومنه قول الآخر:
فعلى إثرهم تساقط نفسي *** وحسرات وذكرهم لي سقام
أو مصدرا.
{وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (9)}
قوله تعالى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ} ميت وميت واحد، وكذا ميتة وميتة، هذا قول الحذاق من النحويين.
وقال محمد بن يزيد: هذا قول البصريين، ولم يستثن أحدا، واستدل على ذلك بدلائل قاطعة. وأنشد:
ليس من مات فاستراح بميت *** وإنما الميت ميت الأحياء
إنما المت من يعيش كئيبا *** وكاسفا باله قليل الرجاء
قال: فهل ترى بين ميت وميت فرقا، وأنشد:
هينون لينون أيسار بنو يسر *** وسواس مكرمة أبناء أيسار
قال: فقد أجمعوا على أن هينون ولينون واحد، وكذا ميت وميت، وسيد وسيد. قال: {فَسُقْناهُ} بعد أن قال: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ} وهو من باب تلوين الخطاب.
وقال أبو عبيدة: سبيله {فتسوقه}، لأنه قال: {فَتُثِيرُ سَحاباً}. الزمخشري: فإن قلت: لم جاء {فَتُثِيرُ} على المضارعة دون ما قبله وما بعده؟ قلت: لتحكي الحال التي تقع فيها إثارة الرياح السحاب، وتستحضر تلك الصورة البديعة الدالة على القدوة الربانية، وهكذا يفعلون بفعل فيه نوع تمييز وخصوصية بحال تستغرب، أو تهم المخاطب أو غير ذلك، كما قال تأبط شرا:
بأني قد لقيت الغول تهوي *** وبسهب كالصحيفة صحصحان
فاضربها بلا دهش فخرت *** وصريعا لليدين وللجران
لأنه قصد أن يصور لقومه الحالة التي تشجع فيها بزعمه على ضرب الغول، كأنه يبصرهم إياها، ويطلعهم على كنهها مشاهدة للتعجب. من جرأته على كل هول، وثباته عند كل شدة وكذلك سوق السحاب إلى البلد الميت، لما كانا من الدلائل على القدرة الباهرة قيل: {فسقنا} و{أحيينا} معدولا بهما عن لفظة الغيبة إلى ما هو أدخل في الاختصاص وأدل عليه. وقراءة العامة {الرِّياحَ}. وقرأ ابن محيصن وابن كثير والأعمش ويحيى وحمزة والكسائي {الريح} توحيدا. وقد مضى بيان هذه الآية والكلام فيها مستوفي. أي كذلك تحيون بعد ما متم، من نشر الإنسان نشورا. فالكاف في محل الرفع، أي مثل إحياء الأموات نشر الأموات. وعن أبي رزين العقيلي قال: قلت يا رسول الله، كيف يحيي الله الموتى، وما آية ذلك في خلقه؟ قال: «أما مررت بوادي أهلك ممحلا ثم مررت به يهتز خضرا» قلت: نعم يا رسول الله. قال: «فكذلك يحيي الله الموتى وتلك آياته في خلقه» وقد ذكرنا هذا الخبر في الأعراف وغيرها.
{مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)}
قوله تعالى: {مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} التقدير عند الفراء: من كان يريد علم العزة. وكذا قال غيره من أهل العلم. أي من كان يريد علم العزة التي لا ذلة معها، لان العزة إذا كانت تؤدي إلى ذلة فإنما هي تعرض للذلة، والعزة التي لا ذل معها لله عز وجل. {جَمِيعاً} منصوب على الحال. وقدر الزجاج معناه: من كان يريد بعبادته الله عز وجل العزة والعزة له سبحانه فإن الله عز وجل يعزه في الآخرة والدنيا. قلت وهذا أحسن وروى مرفوعا على ما يأتي {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} ظاهر هذا إيئاس السامعين من عزته، وتعريفهم أن ما وجب له من ذلك لا مطمع فيه لغيره، فتكون الالف واللام للعهد عند العالمين به سبحانه وبما وجب له من ذلك، وهو المفهوم من قوله الحق في سورة يونس: {وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ} [يونس: 65]. ويحتمل أن يريد سبحانه أن ينبه ذوي الاقدار والهمم من أين تنال العزة ومن أين تستحق، فتكون الالف واللام للاستغراق، وهو المفهوم من آيات هذه السورة. فمن طلب العزة من الله وصدقه في طلبها بافتقار وذل، وسكون وخضوع، وجدها عنده إن شاء الله غير ممنوعة ولا محجوبة عنه، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من تواضع لله رفعه الله». ومن طلبها من غيره وكله إلى من طلبها عنده. وقد ذكر قوما طلبوا العزة عند من سواه فقال: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} [النساء: 139]. فأنبأك صريحا لا إشكال فيه أن العزة له يعز بها من يشاء ويذل من يشاء.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مفسرا لقوله: {مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً}: من أراد عز الدارين فليطع العزيز. وهذا معنى قول الزجاج. ولقد أحسن من قال:
وإذا تذللت الرقاب تواضعا *** ومنا إليك فعزها في ذلها
فمن كان يريد العزة لينال الفوز الأكبر، ويدخل دار العزة ولله العزة فليقصد بالعزة الله سبحانه والاعتزاز به، فإنه من اعتز بالعبد أذل الله، ومن اعتز بالله أعزه الله. قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} فيه مسألتان الأولى: قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} وتم الكلام. ثم تبتدئ {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} على معنى: يرفعه الله، أو يرفع صاحبه. ويجوز أن يكون المعنى: والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب، فيكون الكلام متصلا على ما يأتي بيانه. والصعود هو الحركة إلى فوق، وهو العروج أيضا. ولا يتصور ذلك في الكلام لأنه عرض، لكن ضرب صعوده مثلا لقبوله، لان موضع الثواب فوق، وموضع العذاب أسفل.
وقال الزجاج: يقال ارتفع الامر إلى القاضي أي علمه، فهو بمعنى العلم. وخص الكلام والطب بالذكر لبيان الثواب عليه. وقوله: {إِلَيْهِ} أي إلى الله يصعد.
وقيل: يصعد إلى سمائه والمحل الذي لا يجري فيه لاحد غيره حكم.
وقيل: أي يحمل الكتاب الذي كتب فيه طاعات العبد إلى السماء. و{الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} هو التوحيد الصادر عن عقيدة طيبة.
وقيل: هو التحميد والتمجيد، وذكر الله ونحوه. وأنشدوا:
لا ترض من رجل حلاوة قوله *** وحتى يزين ما يقول فعال
فإذا وزنت فعاله بمقاله *** فتوازنا فإخاء ذاك جمال
وقال ابن المقفع: قول بلا عمل، كثريد بلا دسم، وسحاب بلا مطر، وقوس بلا وتر. وفية قيل:
لا يكون المقال إلا بفعل *** وكل قول بلا فعال هباء
إن قولا بلا فعال جميل *** وونكاحا بلا ولي سواء
وقرأ الضحاك {يصعد} بضم الياء. وقرا. جمهور الناس {الْكَلِمُ} جمع كلمة. وقرأ أبو عبد الرحمن {الكلام}. قلت: فالكلام على هذا قد يطلق بمعنى الكلم وبالعكس، وعليه يخرج قول أبي القاسم: أقسام الكلام ثلاثة، فوضع الكلام موضع الكلم، والله أعلم. {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: المعنى والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب.
وفي الحديث: «لا يقبل الله قولا إلا بعمل، ولا يقبل قولا وعملا إلا بنية، ولا يقبل قولا وعملا ونية إلا بإصابة السنة». قال ابن عباس: فإذا ذكر العبد الله وقال كلاما طيبا وادي فرائضه، ارتفع قوله مع عمله وإذا قال ابن قوله على عمله. قال ابن عطية: وهذا قول يرده معتقد أهل السنة ولا يصح عن ابن عباس. والحق أن العاصي التارك للفرائض إذا ذكر الله وقال كلاما طيبا فإنه مكتوب له متقبل منه، وله حسناته وعليه سيئاته، والله تعالى يتقبل من كل من أتقى الشرك. وأيضا فإن الكلام الطيب عمل صالح، وإنما يستقيم قول من يقول: إن العمل هو الرافع للكلم، بأن يتأول أنه يزيده في رفعه وحسن موقعه إذا تعاضد معه. كما أن صاحب الأعمال من صلاة وصيام وغير ذلك، إذا تخلل أعماله كلم طيب وذكر الله تعالى كانت الأعمال أشرف، فيكون قول: {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} موعظة وتذكرة وحضا على الأعمال. وأما الأقوال التي هي أعمال في نفوسها، كالتوحيد والتسبيح فمقبولة. قال ابن العربي: إن كلام المرء بذكر الله إن لم يقترن به عمل صالح لم ينفع، لان من خالف قوله فعله فهو وبال عليه. وتحقيق هذا: أن العمل إذا وقع شرطا في قبول القول أو مرتبطا، فإنه لا قبول له إلا به وإن لم يكن شرطا فيه فإن كلمه الطيب يكتب له، وعمله السيئ يكتب عليه، وتقع الموازنة بينهما، ثم يحكم الله بالفوز والربح والخسران. قلت: ما قال ابن العربي تحقيق. والظاهر أن العمل الصالح شرط في قبول القول الطيب. وقد جاء في الآثار أن العبد إذا قال: لا إله إلا الله بنية صادقة نظرت الملائكة إلى عمله، فإن كان العمل موافقا لقوله صعدا جميعا، وإن كان عمله. مخالفا وقف قوله حتى يتوب من عمله. فعلى هذا العمل الصالح يرفع الكلم الطيب إلى الله. والكناية في {يَرْفَعُهُ} ترجع إلى الكلم الطيب. وهذا قول ابن عباس وشهر بن حوشب وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وأبي العالية والضحاك. وعلي أن {الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} هو التوحيد، فهو الرافع للعمل الصالح، لأنه لا يقبل العمل الصالح إلا مع الايمان والتوحيد. أي والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب، فالكناية تعود على العمل الصالح. وروي هذا القول عن شهر بن حوشب قال: {الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} القرآن {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} القرآن.
وقيل: تعود على الله جل وعز، أي أن العمل الصالح يرفعه الله على الكلم الطيب، لان العمل تحقيق الكلم، والعامل أكثر تعبا من القائل، وهذا هو حقيقة الكلام، لان الله هو الرافع الخافض. والثاني والأول مجاز، ولكنه سائغ جائز. قال النحاس: القول الأول أولاها وأصحها لعلو من قال به، وأنه في العربية أولى، لان القراء على رفع العمل. ولو كان المعنى: والعمل الصالح يرفعه الله، أو العمل الصالح يرفعه الكلم الطيب، لكان الاختيار نصف العمل. ولا نعلم أحدا قرأه منصوبا إلا شيئا روي عن عيسى، بن عمر أنه قال: قرأه أناس {والعمل الصالح يرفعه الله}.
وقيل: والعمل الصالح يرفع صاحبه، وهو الذي أراد العزة وعلم أنها تطلب من الله تعالى، ذكره القشيري.
الثانية: ذكروا عند ابن عباس أن الكلب يقطع الصلاة، فقرأ هذه الآية: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}. وهذا استدلال بعموم على مذهب السلف في القول بالعموم، وقد دخل في الصلاة بشروطها، فلا يقطعها عليه شيء إلا بثبوت ما يوجب ذلك، من مثل ما انعقدت به من قرآن أو سنة أو إجماع. وقد تعلق من رأى، ذلك بقوله عليه السلام: «يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود» فقلت: ما بال الكلب الأسود من الكلب الأبيض من الكلب الأحمر؟ فقال: «إن الأسود شيطان» خرجه مسلم. وقد جاء ما يعارض هذا، وهو ما خرجه البخاري عن ابن أخي ابن شهاب أنه سأل عمه عن الصلاة يقطعها شي؟ فقال: لا يقطعها شي، أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: لقد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوم فيصلي من الليل، وإني لمعترضة بينه وبين القبلة على فراش أهله. قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ} ذكر الطبري في كتاب آداب النفوس: حدثني يونس بن عبد الأعلى قال حدثنا سفيان عن ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب الأشعري في قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ} قال: هم أصحاب الرياء، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة.
وقال أبو العالية: هم الذين مكروا بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما اجتمعوا في دار الندوة.
وقال الكلبي: يعني الذين يعملون السيئات في السيئات في الدنيا مقاتل: يعني الشرك، فتكون {السَّيِّئاتِ} مفعولة. ويقال: بار يبور إذا هلك وبطل. وبارت السوق أي كسدت، ومنه: نعوذ بالله من بوار الأيم. وقوله: {وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً} [الفتح: 12] أي هلكى. والمكر: ما عمل على سبيل احتيال وخديعة. وقد مضى في سبأ.