{حم (1) عسق (2) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)}
قوله تعالى: {حم عسق} قال عبد المؤمن: سألت الحسين بن الفضل: لم قطع {حم} من {عسق} ولم تقطع {كهيعص} و{المر} و{المص}؟ فقال: لأن {حم عسق} بين سور أولها {حم} فجرت مجرى نظائرها قبلها وبعدها، فكأن {حم} مبتدأ و{عسق} خبره. ولأنها عدت آيتين، وعدت أخواتها اللواتي كتبت جملة آية واحدة.
وقيل: إن الحروف المعجمة كلها في معنى واحد، من حيث إنها أس البيان وقاعدة الكلام، ذكره الجرجاني. وكتبت {حم عسق} منفصلا و{كهيعص} متصلا لأنه قيل: حم، أي حم ما هو كائن، ففصلوا بين ما يقدر فيه فعل وبين ما لا يقدر. ثم لو فصل هذا ووصل ذا لجاز، حكاه القشيري.
وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس {حم سق} قال ابن عباس:
وكان علي رضي الله عنه يعرف الفتن بها.
وقال أرطاة بن المنذر: قال رجل لابن عباس وعنده حذيفة بن اليمان: أخبرني عن تفسير قوله تعالى: {حم عسق}؟ فأعرض عنه حتى أعاد عليه ثلاثا فأعرض عنه. فقال حذيفة بن اليمان: أنا أنبئك بها، قد عرفت لم تركها، نزلت في رجل من أهل بيته يقال له عبد الاله أو عبد الله، ينزل على نهر من أنهار المشرق، يبني عليه مدينتين يشق النهر بينهما شقا، فإذا أراد الله زوال ملكهم وانقطاع دولتهم، بعث على إحداهما نارا ليلا فتصبح سوداء مظلمة، فتحرق كلها كأنها لم تكن مكانها، فتصبح صاحبتها متعجبة، كيف قلبت! فما هو إلا بياض يومها حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد، ثم يخسف الله بها وبهم جميعا، فذلك قوله: {حم عسق} أي عزمة من عزمات الله، وفتنة وقضاء حم: حم. {ع}: عدلا منه، {س}: سيكون، {ق}: واقع في هاتين المدينتين. ونظير هذا التفسير ما روى جرير بن عبد الله البجلي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «تبنى مدينة بين دجلة ودجيل وقطربل والصراة، يجتمع فيها جبابرة الأرض تجبى إليها الخزائن يخسف بها- وفي رواية بأهلها- فلهي أسرع ذهابا في الأرض من الوتد الجيد في الأرض الرخوة». وقرأ ابن عباس {حم سق} بغير عين. وكذلك هو في مصحف عبد الله بن مسعود، حكاه الطبري.
وروى نافع عن ابن عباس: الحاء حلمه، والميم مجده، والعين علمه، والسين سناه، والقاف قدرته، أقسم الله بها. وعن محمد بن كعب: أقسم الله بحلمه ومجده وعلوه وسناه وقدرته ألا يعذب من عاذ بلا إله إلا الله مخلصا من قلبه.
وقال جعفر بن محمد وسعيد بن جبير: الحاء من الرحمن، والميم من المجيد، والعين من العليم، والسين من القدوس، والقاف من القاهر.
وقال مجاهد: فواتح السور.
وقال عبد الله بن بريدة: إنه اسم الجبل المحيط بالدنيا. وذكر القشيري واللفظ للثعلبي: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما نزلت هذه الآية عرفت الكآبة في وجهه، فقيل له: يا رسول الله، ما أحزنك؟ قال: «أخبرت ببلايا تنزل بأمتي من خسف وقذف ونار تحشرهم وريح تقذفهم في البحر وآيات متتابعات متصلات بنزول عيسى وخروج الدجال». والله أعلم.
وقيل: هذا في شأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ف الحاء حوضه المورود، والميم ملكه الممدود، والعين عزه الموجود، والسين سناه المشهود، والقاف قيامه في المقام المحمود، وقربه في الكرامة من الملك المعبود.
وقال ابن عباس: ليس من نبي صاحب كتاب إلا وقد أوحي إليه: {حم عسق}، فلذلك قال: {يوحي إليك وإلى الذين من قبلك} المهدوي: وقد جاء في الخبر أن {حم عسق} معناه أوحيت إلى الأنبياء المتقدمين. وقرأ ابن محيصن وابن كثير ومجاهد {يوحى} بفتح الحاء على ما لم يسم فاعله، وروي عن ابن عمر. فيكون الجار والمجرور في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل. ويجوز أن يكون اسم ما لم يسم فاعله مضمرا، أي يوحى إليك القرآن الذي تضمنته هذه السورة، ويكون اسم الله مرفوعا بإضمار فعل، التقدير: يوحيه الله إليك، كقراءة ابن عامر وأبي بكر {يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ} [النور: 37- 36] أي يسبحه رجال. وأنشد سيبويه:
ليبك يزيد ضارع بخصومة *** وأشعث ممن طوحته الطوائح
فقال: لبيك يزيد، ثم بين من ينبغي أن يبكيه، فالمعنى يبكيه ضارع. ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف، كأنه قال: الله يوحيه. أو على تقدير إضمار مبتدأ أي الموحي الله. أو يكون مبتدأ والخبر {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. وقرأ الباقون {يوحي إليك} بكسر الحاء، ورفع الاسم على أنه الفاعل. {لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} تقدم في غير موضع.
{تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)}
قوله تعالى: {تَكادُ السَّماواتُ} قراءة العامة بالتاء. وقرأ نافع وابن وثاب والكسائي بالياء. {يتفطرن} قرأ نافع وغيره بالياء والتاء والتشديد في الطاء، وهي قراءة العامة. وقرأ أبو عمرو وأبو بكر والمفضل وأبو عبيد {ينفطرن} من الانفطار، كقول تعالى: {إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار: 1] وقد مضى في سورة مريم بيان هذا.
وقال ابن عباس: {تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ} أي تكاد كل واحدة منها تنفطر فوق التي تليها، من قول المشركين: {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً} [البقرة: 116].
وقال الضحاك والسدي: {يَتَفَطَّرْنَ} أي يتشققن من عظمة الله وجلاله فوقهن.
وقيل: {فَوْقِهِنَّ}، فوق الأرضين من خشية الله لو كن مما يعقل. قوله تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} أي ينزهونه عما لا يجوز في وصفه، وما لا يليق بجلاله. وقيل يتعجبون من جرأة المشركين، فيذكر التسبيح في موضع التعجب. وعن علي رضي الله عنه: أن تسبيحهم تعجب مما يرون من تعرضهم لسخط الله.
وقال ابن عباس: تسبيحهم خضوع لما يرون من عظمة الله. ومعنى {بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} بأمر ربهم، قاله السدي. {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} قال الضحاك: لمن في الأرض من المؤمنين، وقاله السدي. بيانه في سورة المؤمن: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر: 7]. وعلى هذا تكون الملائكة هنا حملة العرش.
وقيل: جميع ملائكة السماء، وهو الظاهر من قول الكلبي.
وقال وهب ابن منبه: هو منسوخ بقوله: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}. قال المهدوي: والصحيح أنه ليس بمنسوخ، لأنه خبر، وهو خاص للمؤمنين.
وقال أبو الحسن الماوردي عن الكلبي: ان الملائكة لما رأت الملكين اللذين اختبرا وبعثا إلى الأرض ليحكما بينهم، فافتتنا بالزهرة وهربا إلى إدريس- وهو جد أبي نوح عليهما السلام- وسألاه أن يدعو لهما، سبحت الملائكة بحمد ربهم واستغفرت لبني آدم. قال أبو الحسن بن الحصار: وقد ظن بعض من جهل أن هذه الآية نزلت بسبب هاروت وماروت، وأنها منسوخة بالآية التي في المؤمن، وما علموا أن حملة العرش مخصوصون بالاستغفار للمؤمنين خاصة، ولله ملائكة أخر يستغفرون لمن في الأرض. الماوردي: وفي استغفارهم لهم قولان: أحدهما- من الذنوب والخطايا، وهو ظاهر قول مقاتل.
الثاني- أنه طلب الرزق لهم والسعة عليهم، قاله الكلبي. قلت: وهو أظهر، لان الأرض تعم الكافر وغيره، وعلى قول مقاتل لا يدخل فيه الكافر. وقد روي في هذا الباب خبر رواه عاصم الأحول عن أبي عثمان عن سلمان قال: إن العبد إذا كان يذكر الله في السراء فنزلت به الضراء قالت الملائكة: صوت معروف من آدمي ضعيف، كان يذكر الله تعالى في السراء فنزلت به الضراء، فيستغفرون له. فإذا كان لا يذكر الله في السراء فنزلت به الضراء قالت الملائكة: صوت منكر من آدمي كان لا يذكر الله في السراء فنزلت به الضراء، فلا يستغفرون. وهذا يدل على أن الآية في الذاكر لله تعالى في السراء والضراء، فهي خاصة ببعض من في الأرض من المؤمنين. والله أعلم. يحتمل أن يقصدوا بالاستغفار طلب الحلم والغفران في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا} [فاطر: 41] إلى أن قال: {إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً}، وقوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ} [الرعد: 6]. والمراد الحلم عنهم وألا يعالجهم بالانتقام، فيكون عاما، قاله الزمخشري.
وقال مطرف: وجدنا أنصح عباد الله لعباد الله الملائكة، ووجدنا أغش عباد الله لعباد الله الشياطين. وقد تقدم. {أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} قال بعض العلماء: هيب وعظم عز وجل في الابتداء، وألطف وبشر في الانتهاء.
{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6)}
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ} يعني أصناما يعبدونها. {اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ} أي يحفظ أعمالهم ليجازيهم بها. {وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} وهذه منسوخة بآية السيف.
وفي الخبر: «أطت السماء وحق لها أن تئط» أي صوتت من ثقل سكانها لكثرتهم، فهم مع كثرتهم لا يفترون عن عبادة الله، وهؤلاء الكفار يشركون به.{وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)}
قوله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا} أي وكما أوحينا إليك وإلى من قبلك هذه المعاني فكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا بيناه بلغة العرب.
وقيل: أي أنزلنا عليك قرآنا عربيا بلسان قومك، كما أرسلنا كل رسول بلسان قومه. والمعنى واحد. {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى} يعني مكة. قيل لمكة أم القرى لان الأرض دحيت من تحتها. {وَمَنْ حَوْلَها} من سائر الخلق. {وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ} أي بيوم الجمع، وهو يوم القيامة. {لا رَيْبَ فِيهِ} لا شك فيه. {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} ابتداء وخبر. وأجاز الكسائي النصب على تقدير: لتنذر فريقا في الجنة وفريقا في السعير.
{وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (
}
قوله تعالى: {وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً} قال الضحاك: أهل دين واحد، أهل ضلالة أو أهل هدى. {وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ} قال أنس بن مالك: في الإسلام. {وَالظَّالِمُونَ} رفع على الابتداء، والخبر {ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} عطف على اللفظ. ويجوز {وَلا نَصِيرٍ} بالرفع على الموضع و{مَنْ} زائدة.
{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9)}
قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا} أي بل اتخذوا. {مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ} يعني أصناما. {فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ} أي وليك يا محمد وولي من اتبعك، لا ولي سواه. {وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى} يريد عند البعث. {وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وغيره من الأولياء لا يقدر على شي.
{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)}
قوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ} حكاية قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمؤمنين، أي وما خالفكم فيه الكفار من أهل الكتاب والمشركين من أمر الدين، فقولوا لهم حكمه إلى الله لا إليكم، وقد حكم أن الدين هو الإسلام لا غيره. وأمور الشرائع إنما تتلقى من بيان الله. {ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي} أي الموصوف بهذه الصفات هو ربي وحده، وفية إضمار: أي قل لهم يا محمد ذلكم الله الذي يحيي الموتى ويحكم بين المختلفين هو ربي. {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} اعتمدت. {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} أرجع.
{فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الأنعام أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)}
قوله تعالى: {فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} بالرفع على النعت لاسم الله، أو على تقدير هو فاطر. ويجوز النصب على النداء، والجر على البدل من الهاء في {عليه}. والفاطر: المبدع والخالق. وقد تقدم.. {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً} قيل معناه إناثا. وإنما قال: {مِنْ أَنْفُسِكُمْ} لأنه خلق حواء من ضلع آدم.
وقال مجاهد: نسلا بعد نسل. {وَمِنَ الأنعام أَزْواجاً} يعني الثمانية التي ذكرها في الأنعام ذكور الإبل والبقر والضأن والمعز وإناثها. {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} أي يخلقكم وينشئكم {فِيهِ} أي في الرحم.
وقيل: في البطن.
وقال الفراء وابن كيسان: {فيه} بمعنى به. وكذلك قال الزجاج: معنى {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} يكثركم به، أي يكثركم يجعلكم أزواجا، أي حلائل، لأنهن سبب النسل.
وقيل: إن الهاء في {فِيهِ} للجعل، ودل عليه {جعل}، فكأنه قال: يخلقكم ويكثركم في الجعل. ابن قتيبة: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} أي في الزوج، أي يخلقكم في بطون الإناث. وقال: ويكون {فِيهِ} في الرحم، وفية بعد، لان الرحم مؤنثة ولم يتقدم لها ذكر. {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} قيل: إن الكاف زائدة للتوكيد، أي ليس مثله شي. قال:
وصاليات ككما يؤثفين ***
فأدخل على الكاف كافا تأكيدا للتشبيه.
وقيل: المثل زائدة للتوكيد، وهو قول ثعلب: ليس كهو شي، نحو قوله تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} [البقرة: 137].
وفي حرف ابن مسعود {فإن آمنوا بما آمنتم به فقد اهتدوا} قال أوس بن حجر:
وقتلى كمثل جذوع ألن *** خيل يغشاهم مطر منهمر
أي كجذوع. والذي يعتقد في هذا الباب أن الله جل اسمه في عظمته وكبريائه وملكوته وحسنى أسمائه وعلي صفاته، لا يشبه شيئا من مخلوقاته ولا يشبه به، وإنما جاء مما أطلقه الشرع على الخالق والمخلوق، فلا تشابه بينهما في المعنى الحقيقي، إذ صفات القديم عز وجل بخلاف صفات المخلوق، إذ صفاتهم لا تنفك عن الأغراض والاعراض، وهو تعالى منزه عن ذلك، بل لم يزل بأسمائه وبصفاته على ما بيناه في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وكفى في هذا قوله الحق: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}. وقد قال بعض العلماء المحققين: التوحيد إثبات ذات غير مشبهة للذوات ولا معطلة من الصفات. وزاد الواسطي رحمه الله بيانا فقال: ليس كذاته ذات، ولا كاسمه اسم، ولا كفعله فعل، ولا كصفته صفة إلا من جهة موافقة اللفظ، وجلت الذات القديمة أن يكون لها صفة حديثة، كما استحال أن يكون للذات المحدثة صفة قديمة. وهذا كله مذهب أهل الحق والسنة والجماعة. رضي الله عنهم!
{لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)}
قوله تعالى: {لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} تقدم في {الزمر} بيانه. النحاس: والذي يملك المفاتيح يملك الخزائن، يقال للمفتاح: إقليد، وجمعه على غير قياس، كمحاسن والواحد حسن. {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} تقدم أيضا في غير موضع.
{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)}
قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً} فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ} أي الذي له مقاليد السموات والأرض شرع لكم من الدين ما شرع لقوم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، ثم بين ذلك بقوله تعالى: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ} وهو توحيد الله وطاعته، والايمان برسله وكتبه وبيوم الجزاء، وبسائر ما يكون الرجل بإقامته مسلما. ولم يرد الشرائع التي هي مصالح الأمم على حسب أحوالها، فإنها مختلفة متفاوتة، قال الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً} [المائدة: 48] وقد تقدم القول فيه. ومعنى {شَرَعَ} أي نهج وأوضح وبين المسالك. وقد شرع لهم يشرع شرعا أي سن. والشارع: الطريق الأعظم. وقد شرع المنزل إذا كان على طريق نافذ. وشرعت الإبل إذا أمكنتها من الشريعة. وشرعت الأديم إذا سلخته.
وقال يعقوب: إذا شققت ما بين الرجلين، قال: وسمعته من أم الحمارس البكرية. وشرعت في هذا الامر شروعا أي خضت. {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ} {أن} في محل رفع، على تقدير والذي وصى به نوحا أن أقيموا الدين، ويوقف على هذا الوجه على {عِيسى}.
وقيل: هو نصب، أي شرع لكم إقامة الدين.
وقيل: هو جر بدلا من الهاء في {به}، كأنه قال: به أقيموا الدين. ولا يوقف على {عِيسى} على هذين الوجهين. ويجوز أن تكون {أَنْ} مفسرة، مثل أن امشوا، فلا يكون لها محل من الاعراب.
الثانية: قال القاضي أبو بكر بن العربي: ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في حديث الشفاعة الكبير المشهور: «ولكن ائتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض فيأتون نوحا فيقولون له أنت أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض». وهذا صحيح لا إشكال فيه، كما أن آدم أول نبي بغير إشكال، لان آدم لم يكن معه إلا نبوة، ولم تفرض له الفرائض ولا شرعت له المحارم، وإنما كان تنبيها على بعض الأمور واقتصارا على ضرورات المعاش، وأخذا بوظائف الحياة والبقاء، واستقر المدى إلى نوح فبعثه الله بتحريم الأمهات والبنات والأخوات، ووظف عليه الواجبات وأوضح له الآداب في الديانات، ولم يزل ذلك يتأكد بالرسل يتناصر بالأنبياء- صلوات الله عليهم- واحدا بعد واحد وشريعة إثر شريعة، حتى ختمها الله بخير الملل ملتنا على لسان أكرم الرسل نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان المعنى أوصيناك يا محمد ونوحا دينا واحدا، يعني في الأصول التي لا تختلف فيها الشريعة، وهي التوحيد والصلاة والزكاة والصيام والحج، والتقرب إلى الله بصالح الأعمال، والزلف إليه بما يرد القلب والجارحة إليه، والصدق والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة وصلة الرحم، وتحريم الكفر والقتل والزنى والاذاية للخلق كيفما تصرفت، والاعتداء على الحيوان كيفما دار، واقتحام الدناءات وما يعود بخرم المروءات، فهذا كله مشروع دينا واحدا وملة متحدة، لم تختلف على ألسنة الأنبياء وإن اختلفت أعدادهم، وذلك قوله تعالى: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} أي اجعلوه قائما، يريد دائما مستمرا محفوظا مستقرا من غير خلاف فيه ولا اضطراب، فمن الخلق من وفى بذلك ومنهم من نكث، {ومن نكث فإنما ينكث على نفسه} [الفتح: 10]. واختلفت الشرائع وراء هذا في معان حسبما أراده الله مما اقتضت المصلحة وأوجبت الحكمة وضعه في الأزمنة على الأمم. والله أعلم. قال مجاهد: لم يبعث الله نبيا قط إلا وصاه بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإقرار لله بالطاعة، فذلك دينه الذي شرع لهم، وقاله الوالبي عن ابن عباس، وهو قول الكلبي.
وقال قتادة: يعني تحليل الحلال وتحريم الحرام.
وقال الحكم: تحريم الأمهات والأخوات والبنات. وما ذكره القاضي يجمع هذه الأقوال ويزيد عليها. وخص نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى بالذكر لأنهم أرباب الشرائع. قوله تعالى: {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ} أي عظم عليهم. {ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} من التوحيد ورفض الأوثان. قال قتادة: كبر على المشركين فاشتد عليهم شهادة أن لا إله إلا الله، وضاق بها إبليس وجنوده، فأبى الله عز وجل إلا أن ينصرها ويعليها ويظهرها على من ناوأها. ثم قال: {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ} أي يختار. والاجتباء الاختيار، أي يختار للتوحيد من يشاء. {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} أي يستخلص لدينه من رجع إليه. {وَما تَفَرَّقُوا} قال ابن عباس: يعني قريشا. {إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ} محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانوا يتمنون أن يبعث إليهم نبي، دليله قوله تعالى في سورة فاطر: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ} [فاطر: 42] يريد نبيا.
وقال في سورة البقرة: {فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة: 89] على ما تقدم بيانه هناك.
وقيل: أمم الأنبياء المتقدمين، فإنهم فيما بينهم اختلفوا لما طال بهم المدى، فآمن قوم وكفر قوم.
وقال ابن عباس أيضا: يعني أهل الكتاب، دليله في سورة المنفكين {وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 4]. فالمشركون قالوا: لم خص بالنبوة! واليهود حسدوه لما بعث، وكذا النصارى. {بَغْياً بَيْنَهُمْ} أي بغيا من بعضهم على بعض طلبا للرئاسة، فليس تفرقهم لقصور في البيان والحجج، ولكن للبغي والظلم والاشتغال بالدنيا. {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} في تأخير العقاب عن هؤلاء. {إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} قيل: القيامة، لقوله تعالى: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ} [القمر: 46].
وقيل: إلى الأجل الذي قضي فيه بعذابهم. {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أي بين من آمن وبين من كفر بنزول العذاب. {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ} يريد اليهود والنصارى. {مِنْ بَعْدِهِمْ} أي من بعد المختلفين في الحق. {لَفِي شَكٍّ} من الذي أوصى به الأنبياء. والكتاب هنا التوراة والإنجيل.
وقيل: {إِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ} قريش. {مِنْ بَعْدِهِمْ} من بعد اليهود النصارى. {لَفِي شَكٍّ} من القرآن أو من محمد.
وقال مجاهد: معنى {مِنْ بَعْدِهِمْ} من قبلهم، يعني من قبل مشركي مكة، وهم اليهود والنصارى.
{فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)}
قوله تعالى: {فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ} لما أجاز أن يكون الشك لليهود والنصارى، أو لقريش قيل له: {فَلِذلِكَ فَادْعُ} أي فتبينت شكهم فادع إلى الله، أي إلى ذلك الدين الذي شرعه الله للأنبياء ووصاهم به. فاللام بمعنى إلى، كقوله تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها} [الزلزلة: 5] أي إليها. و{ذلِكَ} بمعنى هذا. وقد تقدم أول البقرة. والمعنى فلهذا القرآن فادع.
وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى كبر على المشركين ما تدعوهم إليه فلذلك فادع.
وقيل: إن اللام على بابها، والمعنى: فمن أجل ذلك الذي تقدم ذكره فادع واستقم. قال ابن عباس: أي إلى القرآن فادع الخلق. {وَاسْتَقِمْ} خطاب له عليه السلام. قال قتادة: أي استقم على أمر الله.
وقال سفيان: أي استقم على القرآن.
وقال الضحاك: استقم على تبليغ الرسالة. {وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ} أي لا تنظر إلى خلاف من خالفك. {وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} أي أن أعدل، كقوله تعالى: {وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ} [غافر: 66].
وقيل: هي لام كي، أي لكي أعدل. قال ابن عباس وأبو العالية: لاسوي بينكم في الدين فأومن بكل كتاب وبكل رسول.
وقال غيرهما: لأعدل في جميع الأحوال وقيل: هذا العدل هو العدل في الأحكام. وقيل في التبليغ. {اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ} قال ابن عباس ومجاهد: الخطاب لليهود، أي لنا ديننا ولكم دينكم. قال: ثم نسخت بقوله: {قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 29] الآية. قال مجاهد: ومعنى {لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ} لا خصومة بيننا وبينكم.
وقيل: ليس بمنسوخ، لان البراهين قد ظهرت، والحجج قد قامت، فلم يبق إلا العناد، وبعد العناد لا حجة ولا جدال. قال النحاس: ويجوز أن يكون معنى {لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ} على ذلك القول: لم يؤمر أن يحتج عليكم ويقاتلكم، ثم نسخ هذا. كما أن قائلا لو قال من قبل أن تحول القبلة: لا تصل إلى الكعبة، ثم حول الناس بعد، لجاز أن يقال نسخ ذلك. {اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا} يريد يوم القيامة. {وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} أي فهو يحكم بيننا إذا صرنا إليه، ويجازي كلا بما كان عليه.
وقيل: إن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة وشيبة بن ربيعة، وقد سألا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرجع عن دعوته ودينه إلى دين قريش، على أن يعطيه الوليد نصف ماله ويزوجه شيبة بابنته.
{وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (16)}
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ} رجع إلى المشركين. {مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ} قال مجاهد: من بعد ما أسلم الناس. قال: وهؤلاء قد توهموا أن الجاهلية تعود.
وقال قتادة: الذين يحاجون في الله اليهود والنصارى، ومحاجتهم قولهم نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم، وكانوا يرون لأنفسهم الفضيلة بأنهم أهل الكتاب وأنهم أولاد الأنبياء. وكان المشركون يقولون: {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} [مريم: 73] فقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أي لا ثبات لها كالشيء الذي يزل عن موضعه. والهاء في {لَهُ} يجوز أن يكون لله عز وجل، أي من بعد ما وحدوا الله وشهدوا له بالوحدانية. ويجوز أن يكون للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أي من بعد ما استجيب لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دعوته من أهل بدر ونصر الله المؤمنين. يقال: دحضت حجته دحوضا بطلت. وأدحضها الله. والإدحاض: الإزلاق. ومكان دحض ودحض أيضا بالتحريك أي زلق. ودحضت رجله تدحض دحضا زلقت. ودحضت الشمس عن كبد السماء زالت. {وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ} يريد في الدنيا. {وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ} يريد في الآخرة عذاب دائم.
{اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)}
قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ} يعني القرآن وسائر الكتب المنزلة. {بِالْحَقِّ} أي بالصدق. {وَالْمِيزانَ} أي العدل، قاله ابن عباس وأكثر المفسرين. والعدل يسمى ميزانا، لان الميزان آلة الانصاف والعدل.
وقيل: الميزان ما بين في الكتب مما يجب على الإنسان أن يعمل به.
وقال قتادة: الميزان العدل فيما أمر به ونهى عنه. وهذه الأقوال متقاربة المعنى.
وقيل: هو الجزاء على الطاعة بالثواب وعلى المعصية بالعقاب.
وقيل: إنه الميزان نفسه الذي يوزن به، أنزله من السماء وعلم العباد الوزن به، لئلا يكون بينهم تظالم وتباخس، قال الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]. قال مجاهد: هو الذي يوزن به. ومعنى أنزل الميزان. هو إلهامه للخلق أن يعملوه ويعملوا به.
وقيل: الميزان محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقضي بينكم بكتاب الله. {وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} فلم يخبره بها. يحضه على العمل بالكتاب والعدل والسوية، والعمل بالشرائع قبل أن يفاجئ اليوم الذي يكون فيه المحاسبة ووزن الأعمال، فيوفى لمن أوفى ويطفف لمن طفف. ف {لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} أي منك وأنت لا تدري. وقال: {قَرِيبٌ} ولم يقل قريبة، لان تأنيثها غير حقيقي لأنها كالوقت، قاله الزجاج. والمعنى: لعل البعث أو لعل مجيء الساعة قريب.
وقال الكسائي: {قَرِيبٌ} نعت ينعت به المذكر والمؤنث والجمع بمعنى ولفظ واحد، قال الله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] قال الشاعر:
وكنا قريبا والديار بعيدة *** فلما وصلنا نصب أعينهم غبنا
{يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18)}
قوله تعالى: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها} يعني على طريق الاستهزاء، ظنا منهم أنها غير آتية، أو إيهاما للضعفة أنها لا تكون. {وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها} أي خائفون وجلون لاستقصارهم أنفسهم مع الجهد في الطاعة، كما قال: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ} [المؤمنون: 60]. {وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} أي التي لا شك فيها. {أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ} أي يشكون ويخاصمون في قيام الساعة. {لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} أي عن الحق وطريق الاعتبار، إذ لو تذكروا لعلموا أن الذي أنشأهم من تراب ثم من نطفة إلى أن بلغوا ما بلغوا، قادر على أن يبعثهم.
{اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)}
قوله تعالى: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ} قال ابن عباس: حفي بهم.
وقال عكرمة: بار بهم.
وقال السدي: رفيق بهم.
وقال مقاتل: لطيف بالبر والفاجر، حيث لم يقتلهم جوعا بمعاصيهم.
وقال القرظي: لطيف بهم في العرض والمحاسبة. قال:
غدا عند مولى الخلق للخلق موقف *** يسائلهم فيه الجليل ويلطف
وقال جعفر بن محمد بن علي بن الحسين: يلطف بهم في الرزق من وجهين: أحدهما- أنه جعل رزقك من الطيبات. والثاني- أنه لم يدفعه إليك مرة واحدة فتبذوه.
وقال الحسين بن الفضل: لطيف بهم في القرآن وتفصيله وتفسيره.
وقال الجنيد: لطيف بأوليائه حتى عرفوه، ولو لطف بأعدائه لما جحدوه.
وقال محمد بن علي الكتاني: اللطيف بمن لجأ إليه من عباده إذا يئس من الخلق توكل عليه ورجع إليه، فحينئذ يقبله ويقبل عليه. وجاء في حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الله تعالى يطلع على القبور الدوارس فيقول عز وجل امحت آثارهم واضمحلت صورهم وبقي عليهم العذاب وأنا اللطيف وأنا أرحم الراحمين خففوا عنهم العذاب فيخفف عنهم العذاب». قال أبو علي الثقفي رضي الله عنه:
أمر بأفناء القبور كأنني *** أخو فطنة والثواب فيه نحيف
ومن شق فاه الله قدر رزقه *** وربي بمن يلجأ إليه لطيف
وقيل: اللطيف الذي ينشر من عباده المناقب ويستر عليهم المثالب، وعلى هذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يا من أظهر الجميل وستر القبيح».
وقيل: هو الذي يقبل القليل ويبذل الجزيل.
وقيل: هو الذي يجبر الكسير وييسر العسير.
وقيل: هو الذي لا يخاف إلا عدله ولا يرجى إلا فضله.
وقيل: هو الذي يبذل لعبده النعمة فوق الهمة ويكلفه الطاعة فوق الطاقة، قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها} [النحل: 18] {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً} [لقمان: 20]، وقال: {وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: 28].
وقيل: هو الذي يعين على الخدمة ويكثر المدحة.
وقيل: هو الذي لا يعاجل من عصاه ولا يخيب من رجاه.
وقيل: هو الذي لا يرد سائله ولا يوئس آمله.
وقيل: هو الذي يعفو عمن يهفو.
وقيل: هو الذي يرحم من لا يرحم نفسه.
وقيل: هو الذي أوقد في أسرار العارفين من المشاهدة سراجا، وجعل الصراط المستقيم لهم منهاجا، وأجزل لهم من سحائب بره ماء ثجاجا. وقد مضى في الأنعام قول أبي العالية والجنيد أيضا. وقد ذكرنا جميع هذا في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى عند اسمه اللطيف، والحمد لله. {يرزق من يشاء} ويحرم من يشاء.
وفي تفضيل قوم بالمال حكمة، ليحتاج البعض إلى البعض، كما قال: {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32]، فكان هذا لطفا بالعباد. وأيضا ليمتحن الغني بالفقير والفقير بالغني، كما قال: {وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} [الفرقان: 20] على ما تقدم بيانه. {وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ}
{مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)}
قوله تعالى: {مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} الحرث العمل والكسب. ومنه قول عبد الله بن عمر: وأحرث لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا. ومنه سمى الرجل حارثا. والمعنى: أي من طلب بما رزقناه حرثا لآخرته، فأدى حقوق الله وأنفق في إعزاز الدين، فإنما نعطيه ثواب ذلك للواحد عشرا إلى سبعمائة فأكثر. {وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا} أي طلب بالمال الذي آتاه الله رئاسة الدنيا والتوصل إلى المحظورات، فإنا لا نحرمه الرزق أصلا، ولكن لا حظ له في الآخرة من ماله، قال الله تعالى: {مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً} [الاسراء: 19- 18].
وقيل: {نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} نوفقه للعبادة ونسهلها عليه.
وقيل: حرث الآخرة الطاعة، أي من أطاع فله الثواب.
وقيل: {نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} أي نعطيه الدنيا مع الآخرة.
وقيل: الآية في الغزو، أي من أراد بغزوة الآخرة أوتي الثواب، ومن أراد بغزوة الغنيمة أوتي منها. قال القشيري: والظاهر أن الآية في الكافر، يوسع له في الدنيا، أي لا ينبغي له أن يغتر بذلك لان الدنيا لا تبقى.
وقال قتادة: إن الله يعطي على نية الآخرة ما شاء من أمر الدنيا، ولا يعطي على نية الدنيا إلا الدنيا.
وقال أيضا: يقول الله تعالى: من عمل لآخرته زدناه في عمله وأعطيناه من الدنيا ما كتبنا له ومن آثر دنياه على آخرته لم نجعل له نصيبا في الآخرة إلا النار ولم يصب من الدنيا إلا رزقا قد قسمناه له لا بد أن كان يؤتاه مع إيثار أو غير إيثار.
وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: وقوله عز وجل: {مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ} من كان من الأبرار يريد بعمله الصالح ثواب الآخرة {نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} أي في حسناته. {وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا} أي من كان من الفجار يريد بعمله الحسن الدنيا {نُؤْتِهِ مِنْها} ثم نسخ ذلك في سبحان: {مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الاسراء. 18]. والصواب أن هذا ليس بنسخ، لان هذا خبر والأشياء كلها بإرادة الله عز وجل. ألا ترى أنه قد صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت». وقد قال قتادة ما تقدم ذكره، وهو يبين لك أن لا نسخ. وقد ذكرنا في {هود} أن هذا من باب المطلق والمقيد، وأن النسخ لا يدخل في الاخبار. والله المستعان. مسألة: هذه الآية تبطل مذهب أبي حنيفة في قوله: إنه من توضأ تبردا أنه يجزيه عن فريضة الوضوء الموظف عليه، فإن فريضة الوضوء من حرث الآخرة والتبرد من حرث الدنيا، فلا يدخل أحدهما على الآخر، ولا تجزي نيته عنه بظاهر هذه الآية، قاله ابن العربي.
{أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (21)}
قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ} أي ألهم! والميم صلة والهمزة للتقريع. وهذا متصل بقوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً} [الشورى: 13]، وقوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ} [الشورى: 17] كانوا لا يؤمنون به، فهل لهم آلهة شرعوا لهم الشرك الذي لم يأذن به الله! وإذا استحال هذا فالله لم يشرع الشرك، فمن أين يدينون به. {وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ} يوم القيامة حيث قال: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ} [القمر: 46]. {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} في الدنيا، فعاجل الظالم بالعقوبة وأثاب الطائع. {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ} أي المشركين. {لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} في الدنيا القتل والأسر والقهر، وفي الآخرة عذاب النار. وقرأ ابن هرمز {وأن} بفتح الهمزة على العطف على {وَلَوْ لا كَلِمَةُ} والفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بجواب {لَوْ لا} جائز. ويجوز أن يكون موضع {إِنَّ} رفعا على تقدير: وجب أن الظالمين لهم عذاب أليم، فيكون منقطعا مما قبله كقراءة الكسر، فاعلمه.
{تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)}
قوله تعالى: {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ} أي خائفين {مِمَّا كَسَبُوا} أي من جزاء ما كسبوا. والظالمون ها هنا الكافرون، بدليل التقسيم بين المؤمن والكافر. {وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ} أي نازل بهم. {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ} الروضة: الموضع النزه الكثير الخضرة. وقد مضى في {الروم}. {لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أي من النعيم والثواب الجزيل. {ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} أي لا يوصف ولا تهتدي العقول إلى كنه صفته، لان الحق إذا قال كبير فمن ذا الذي يقدر قدره.