همس الحياه
همس الحياه
همس الحياه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

همس الحياه

موقع اسلامى و ترفيهى
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالمنشوراتالتسجيلدخول

 

  تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة المزمل}رقم(73)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو شنب
المدير العام
المدير العام
ابو شنب


عدد المساهمات : 10023
نقاط : 26544
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/12/2015

 تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة المزمل}رقم(73) Empty
مُساهمةموضوع: تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة المزمل}رقم(73)    تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة المزمل}رقم(73) Emptyالإثنين ديسمبر 28, 2015 1:11 am

{يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4)}
فيه ثمان مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} قال الأخفش سعيد: {المزمل} أصله المتزمل، فأدغمت التاء في الزاي وكذلك الْمُدَّثِّرُ. وقرأ أبي بن كعب على الأصل: {المتزمل} و{المتدثر}. وسعيد: {الْمُزَّمِّلُ}.
وفي أصل الْمُزَّمِّلُ قولان: أحدهما أنه المحتمل، يقال: زمل الشيء إذا حمله، ومنه الزاملة، لأنها تحمل القماش.
الثاني أن المزمل هو المتلفف، يقال: تزمل وتدثر بثوبه إذا تغطى. وزمل غيره إذا غطاه، وكل شيء لفف فقد زمل ودثر، قال امرؤ القيس:
كبير أناس في بجاد مزمل.
الثانية: قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} هذا خطاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفية ثلاثة أقوال: الأول قول عكرمة: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ بالنبوة والملتزم للرسالة. وعنه أيضا: يا أيها الذي زمل هذا الامر أي حمله ثم فتر، وكان يقرأ: {يا أيها المزمل} بتخفيف الزاي وفتح الميم وتشديدها على حذف المفعول، وكذلك {المدثر} والمعنى المزمل نفسه والمدثر نفسه، أو الذي زمله غيره.
الثاني: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ بالقرآن، قاله ابن عباس.
الثالث المزمل بثيابه، قاله قتادة وغيره. قال النخعي: كان متزملا بقطيفة. عائشة: بمرط طوله أربعة عشر ذراعا، نصفه علي وأنا نائمة، ونصفه على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلي، والله ما كان خزا ولا قزا ولا مرعزاء ولا إبريسما ولا صوفا، كان سداه شعرا، ولحمته وبرا، ذكره الثعلبي. قلت: وهذا القول من عائشة يدل على أن السورة مدنية، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يبن بها إلا في المدينة. وما ذكر من أنها مكية لا يصح. والله أعلم.
وقال الضحاك: تزمل بثيابه لمنامه.
وقيل: بلغه من المشركين سوء قول فيه، فاشتد عليه فتزمل في ثيابه وتدثر، فنزلت: {يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] و{يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1].
وقيل: كان هذا في ابتداء ما أوحى إليه، فإنه لما سمع قول الملك ونظر إليه أخذته الرعدة فأتى أهله فقال: «زملوني دثروني» روي معناه عن ابن عباس. وقالت الحكماء: إنما خاطبه بالمزمل والمدثر في أول الامر، لأنه لم يكن بعد ادثر شيئا من تبليغ الرسالة. قال ابن العربي: واختلف في تأويل: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ فمنهم من حمله على حقيقته، قيل له: يا من تلفف في ثيابه أو في قطيفته قم، قاله إبراهيم وقتادة. ومنهم من حمله على المجاز، كأنه قيل له: يا من تزمل بالنبوة، قاله عكرمة. وإنما يسوغ هذا التفسير لو كانت الميم مفتوحة مشددة بصيغة المفعول الذي لم يسم فاعله، وأما وهو بلفظ الفاعل فهو باطل. قلت: وقد بينا أنها على حذف المفعول: وقد قرئ بها، فهي صحيحة المعنى. قال: وأما من قال إنه زمل القرآن فهو صحيح في المجاز، لكنه قد قدمنا أنه لا يحتاج إليه.
الثالثة: قال السهيلي: ليس المزمل باسم من أسماء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يعرف به كما ذهب إليه بعض الناس وعدوه في أسمائه عليه السلام، وإنما المزمل اسم مشتق من حالته التي كان عليها حين الخطاب، وكذلك المدثر.
وفي خطابه بهذا الاسم فائدتان: إحداهما الملاطفة، فإن العرب إذا قصدت ملاطفة المخاطب وترك المعاتبة سموه باسم مشتق من حالته التي هو عليها، كقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي حين غاضب فاطمة رضي الله عنهما، فأتاه وهو نائم وقد لصق بجنبه التراب فقال له: «قم يا أبا تراب» إشعارا له أنه غير عاتب عليه، وملاطفة له. وكذلك قوله عليه السلام لحذيفة: «قم يا نومان» وكان نائما ملاطفة له، وإشعارا لترك العتب والتأنيب. فقول الله تعالى لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ فيه تأنيس وملاطفة، ليستشعر أنه غير عاتب عليه. والفائدة الثانية: التنبيه لكل متزمل راقد ليله ليتنبه إلى قيام الليل وذكر الله تعالى فيه، لان الاسم المشتق من الفعل يشترك فيه مع المخاطب كل من عمل ذلك العمل واتصف بتلك الصفة.
الرابعة: قوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ} قراءة العامة بكسر الميم لالتقاء الساكنين. وقرأ أبو السمال بضم الميم اتباعا لضمة القاف.
وحكى الفتح لخفته. قال عثمان بن جني: الغرض بهذه الحركة التبليغ بها هربا من التقاء الساكنين، فبأي حركة تحركت فقد وقع الغرض. وهو من الافعال القاصرة غير المتعدية إلى مفعول، فأما ظرف الزمان والمكان فسائغ فيه، إلا أن ظرف المكان لا يتعدى إليه إلا بواسطة، لا تقول: قمت الدار حتى تقول قمت وسط الدار وخارج الدار. وقد قيل: إن قُمِ هنا معناه صل، عبر به عنه واستعير له حتى صار عرفا بكثرة الاستعمال.
الخامسة: اللَّيْلَ حد الليل: من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. وقد تقدم بيانه في سورة البقرة واختلف: هل كان قيامه فرضا وحتما، أو كان ندبا وحضا؟ والدلائل تقوي أن قيامه كان حتما وفرضا، وذلك أن الندب والحض لا يقع على بعض الليل دون بعض، لان قيامه ليس مخصوصا به وقتا دون وقت. وأيضا فقد جاء التوقيت بذلك عن عائشة وغيرها على ما يأتي. واختلف أيضا: هل كان فرضا على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحده، أو عليه وعلى من كان قبله من الأنبياء، أو عليه وعلى أمته؟ ثلاثة أقوال: الأول قول سعيد بن جبير لتوجه الخطاب إليه خاصة.
الثاني قول ابن عباس، قال: كان قيام الليل فريضة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى الأنبياء قبله.
الثالث قول عائشة وابن عباس أيضا وهو الصحيح، كما في صحيح مسلم عن زرارة بن أوفى أن سعد بن هشام بن عامر أراد أن يغزو في سبيل الله... الحديث، وفيه: فقلت لعائشة: أنبئيني عن قيام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقالت: الست تقرأ: {يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} قلت: بلى! قالت فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه حولا، وأمسك الله عز وجل خاتمتها اثنى عشر شهرا في السماء، حتى أنزل الله عز وجل في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة. وذكر الحديث. وذكر وكيع ويعلى قالا: حدثنا مسعر عن سماك الحنفي قال: سمعت ابن عباس يقول لما أنزل أول {يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أولها وآخرها نحو من سنة.
وقال سعيد بن جبير: مكث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه عشر سنين يقومون الليل، فنزل بعد عشر سنين: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} [المزمل: 20] فخفف الله عنهم.
السادسة: قوله تعالى: {إِلَّا قَلِيلًا} استثناء من الليل، أي صل الليل كله إلا يسيرا منه، لان قيام جميعه على الدوام غير ممكن، فاستثنى منه القليل لراحة الجسد. والقليل من الشيء ما دون النصف، فحكي عن وهب بن منبه أنه قال: القليل ما دون المعشار والسدس.
وقال الكلبي ومقاتل: الثلث. ثم قال تعالى: {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} فكان ذلك تخفيفا إذ لم يكن زمان القيام محدودا، فقام الناس حتى ورمت أقدامهم، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل: 20].
وقال الأخفش: نِصْفَهُ أي أو نصفه، يقال: أعطه درهما درهمين ثلاثة: يريد: أو درهمين أو ثلاثة.
وقال الزجاج: نِصْفَهُ بدل من الليل وإِلَّا قَلِيلًا استثناء من النصف. والضمير في مِنْهُ وعَلَيْهِ للنصف. المعنى: قم نصف الليل أو انقص من النصف قليلا إلى الثلث أو زد عليه قليلا إلى الثلثين، فكأنه قال: قم ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه.
وقيل: إن نِصْفَهُ بدل من قوله: قَلِيلًا وكان مخيرا بين ثلاث: بين قيام النصف بتمامه، وبين الناقص منه، وبين قيام الزائد عليه، كأن تقدير الكلام: قم الليل إلا نصفه، أو أقل من نصفه، أو أكثر من نصفه.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «ينزل الله عز وجل إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول، فيقول أنا الملك أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، فلا يزال كذلك حتى يضئ الفجر». ونحوه عن أبي هريرة وأبي سعيد جميعا وهو يدل على ترغيب قيام ثلثي الليل.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا مضى شطر الليل- أو ثلثاه- ينزل الله...» الحديث. رواه من طريقين عن أبي هريرة هكذا على الشك. وقد جاء في كتاب النسائي عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول، ثم يأمر مناديا يقول: هل من داع يستجاب له؟ هل من مستغفر يغفر له؟ هل من سائل يعطى؟» صححه أبو محمد عبد الحق، فبين هذا الحديث مع صحته معنى النزول، وأن ذلك يكون عند نصف الليل. وخرج ابن ماجه من حديث ابن شهاب، عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر، عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «ينزل ربنا تبارك وتعالى حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة فيقول من يسألني فأعطيه؟ من يدعوني فأستجيب له؟ من يستغفرني فأغفر له؟ حتى يطلع الفجر». فكانوا يستحبون صلاة آخر الليل على أوله. قال علماؤنا: وبهذا الترتيب انتظم الحديث والقرآن، فإنهما يبصران من مشكاة واحدة.
وفي الموطأ وغيره من حديث ابن عباس: بت عند خالتي ميمونة حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، استيقظ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقام إلى شن معلق فتوضأ وضوءا خفيفا. وذكر الحديث.
السابعة: اختلف العلماء في الناسخ للأمر بقيام الليل، فعن ابن عباس وعائشة أن الناسخ للأمر بقيام الليل قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} [المزمل: 20] إلى آخر السورة. وقيل قوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل: 20]. وعن ابن عباس أيضا: هو منسوخ بقوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى} [المزمل: 20]. وعن عائشة أيضا والشافعي ومقاتل وابن كيسان: هو منسوخ بالصلوات الخمس. وقيل الناسخ لذلك قوله تعالى: {فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20]. قال أبو عبد الرحمن السلمي: لما نزلت: {يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} قاموا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم، ثم نزل قوله تعالى: {فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20]. قال بعض العلماء: وهو فرض نسخ به فرض، كان على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة لفضله، كما قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ} [الاسراء: 79]. قلت: القول الأول يعم جميع هذه الأقوال، وقد قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [المزمل: 20] فدخل فيها قول من قال إن الناسخ الصلوات الخمس. وقد ذهب الحسن وابن سيرين إلى أن صلاة الليل فريضة على كل مسلم ولو على قدر حلب شاة. وعن الحسن أيضا أنه قال في هذه الآية: الحمد لله تطوع بعد الفريضة. وهو الصحيح إن شاء الله تعالى، لما جاء في قيامه من الترغيب والفضل في القرآن والسنة. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أجعل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حصيرا يصلي عليه من الليل، فتسامع الناس به، فلما رأى جماعتهم كره ذلك، وخشي أن يكتب عليهم قيام الليل، فدخل البيت كالمغضب، فجعلوا يتنحنحون ويتفلون فخرج إليهم فقال: «أيها الناس اكلفوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل من الثواب، حتى تملوا من العمل، وإن خير العمل أدومه وإن قل». فنزلت: {يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} فكتب عليهم، فأنزل بمنزلة الفريضة، حتى إن كان أحدهم ليربط الحبل فيتعلق به، فمكثوا ثمانية أشهر، فرحمهم الله وأنزل: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} [المزمل: 20] فردهم الله إلى الفريضة، ووضع عنهم قيام الليل إلا ما تطوعوا به. قلت: حديث عائشة هذا ذكره الثعلبي، ومعناه ثابت في الصحيح إلى قوله: «وإن قل» وباقيه يدل على أن قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} نزل بالمدينة وأنهم مكثوا ثمانية أشهر يقومون. وقد تقدم عنها في صحيح مسلم: حولا.
وحكى الماوردي عنها قولا ثالثا وهو ستة عشر شهرا، لم يذكر غيره عنها. وذكر عن ابن عباس أنه كان بين أول المزمل وآخرها سنة، قال: فأما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد كان فرضا عليه.
وفي نسخة عنه قولان: أحدهما: أنه كان فرضه عليه إلى أن قبضه الله تعالى.
الثاني: أنه نسخ عنه كما نسخ عن أمته.
وفي مدة فرضه إلى أن نسخ قولان: أحدهما: المدة المفروضة على أمته في القولين الماضيين، يريد قول ابن عباس حولا، وقول عائشة ستة عشر شهرا.
الثاني: أنها عشر سنين إلى أن خفف عنه بالنسخ زيادة في التكليف، ليميزه بفعل الرسالة، قاله ابن جبير. قلت: هذا خلاف ما ذكره الثعلبي عن سعيد بن جبير حسب ما تقدم فتأمله. وسيأتي لهذه المسألة زيادة بيان في آخر السورة إن شاء الله تعالى.
الثامنة: قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} أي لا تعجل بقراءة القرآن بل أقرأه في مهل وبيان مع تدبر المعاني.
وقال الضحاك: اقرأه حرفا حرفا.
وقال مجاهد: أحب الناس في القراءة إلى الله أعقلهم عنه. والترتيل التنضيد والتنسيق وحسن النظام، ومنه ثغر رتل ورتل، بكسر العين وفتحها: إذا كان حسن التنضيد. وتقدم بيانه في مقدمة الكتاب.
وروى الحسن أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر برجل يقرأ آية ويبكي، فقال: «ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجل: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} هذا الترتيل». وسمع علقمة رجلا يقرأ قراءة حسنة فقال: لقد رتل القرآن، فداه أبي وأمي، وقال أبو بكر بن طاهر: تدبر في لطائف خطابه، وطالب نفسك بالقيام بأحكامه، وقلبك بفهم معانيه، وسرك بالإقبال عليه.
وروى عبد الله بن عمرو قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يؤتى بقارئ القرآن يوم القيامة، فيوقف في أول درج الجنة ويقال له أقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها» خرجه أبو داود وقد تقدم في أول الكتاب.
وروى أنس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يمد صوته بالقراءة مدا.

{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (5)}
قوله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} هو متصل بما فرض من قيام الليل، أي سنلقي عليك بافتراض صلاة الليل قولا ثقيلا يثقل حمله، لان الليل للمنام، فمن أمر بقيام أكثره لم يتهيأ له ذلك إلا بحمل شديد على النفس ومجاهدة للشيطان، فهو أمر يثقل على العبد.
وقيل: إنا سنوحي إليك القرآن، وهو قول ثقيل يثقل العمل بشرائعه. قال قتادة: ثقيل والله فرائضه وحدوده. مجاهد: حلاله وحرامه. الحسن: العمل به. أبو العالية: ثقيلا بالوعد والوعيد والحلال والحرام. محمد بن كعب: ثقيلا على المنافقين.
وقيل: على الكفار، لما فيه من الاحتجاج عليهم، والبيان لضلالتهم وسب آلهتهم، والكشف عما حرفه أهل الكتاب. السدي: ثقيل بمعنى كريم، مأخوذ من قولهم: فلان ثقيل علي، أي يكرم علي. الفراء: ثَقِيلًا رزينا ليس بالخفيف السفساف لأنه كلام ربنا.
وقال الحسين بن الفضل: ثقيلا لا يحمله إلا قلب مؤيد بالتوفيق، ونفس مزينة بالتوحيد.
وقال ابن زيد: هو والله ثقيل مبارك، كما ثقل في الدنيا يثقل في الميزان يوم القيامة.
وقيل: ثَقِيلًا أي ثابتا كثبوت الثقيل في محله، ويكون معناه أنه ثابت الاعجاز، لا يزول إعجازه أبدا.
وقيل: هو القرآن نفسه، كما جاء في الخبر: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أوحى إليه وهو على ناقته وضعت جرانها- يعني صدرها- على الأرض، فما تستطيع أن تتحرك حتى يسرى عنه.
وفي الموطأ وغيره أنه عليه السلام سئل: كيف يأتيك الوحي؟ فقال: «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول». قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا. قال ابن العربي: وهذا أولى، لأنه الحقيقة، وقد جاء {وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].
وقال عليه السلام: «بعثت بالحنيفية السمحة».
وقيل: القول في هذه السورة: هو قول لا إله إلا الله، إذ في الخبر: خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان، ذكره القشيري.

{إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً (7)}
فيه خمس مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ} قال العلماء: ناشئة الليل أي أوقاته وساعاته، لان أوقاته تنشأ أولا فأولا، يقال: نشأ الشيء ينشأ: إذا ابتدأ وأقبل شيئا بعد شي، فهو ناشئ وأنشأه الله فنشأ، ومنه نشأت السحابة إذا بدأت وأنشأها الله، فناشئة: فاعلة من نشأت تنشأ فهي ناشئة، ومنه قوله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: 18] والمراد إن ساعات الليل الناشئة، فاكتفى بالوصف عن الاسم، فالتأنيث للفظ ساعة، لان كل ساعة تحدث.
وقيل: الناشئة مصدر بمعنى قيام الليل كالخاطئة والكاذبة، أي إن نشأة الليل هي أشد وطئا.
وقيل: إن ناشئة الليل قيام الليل. قال ابن مسعود: الحبشة يقولون: نشأ أي قام، فلعله أراد أن الكلمة عربية، ولكنها شائعة في كلام الحبشة، غالبة عليهم، وإلا فليس في القرآن ما ليس في لغة العرب. وقد تقدم بيان هذا في مقدمة الكتاب مستوفى.
الثانية: بين تعالى في هذه الآية فضل صلاة الليل على صلاة النهار، وأن الاستكثار من صلاة الليل بالقراءة فيها ما أمكن، أعظم للأجر، وأجلب للثواب. واختلف العلماء في المراد بناشئة الليل، فقال ابن عمر وأنس بن مالك: هو ما بين المغرب والعشاء، تمسكا بأن لفظ نشأ يعطي الابتداء، فكان بالأولية أحق، ومنه قول الشاعر:
ولولا أن يقال صبا نصيب *** لقلت بنفسي النشأ الصغار
وكان علي بن الحسين يصلي بين المغرب والعشاء ويقول: هذا ناشئة الليل.
وقال عطاء وعكرمة: إنه بدء الليل.
وقال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: هي الليل كله، لأنه ينشأ بعد النهار، وهو الذي اختاره مالك بن أنس. قال ابن العربي: وهو الذي يعطيه اللفظ وتقتضيه اللغة. وقالت عائشة وابن عباس أيضا ومجاهد: إنما الناشئة القيام بالليل بعد النوم. ومن قام أول الليل قبل النوم فما قام ناشئة. فقال يمان وابن كيسان: هو القيام من آخر الليل.
وقال ابن عباس: كانت صلاتهم أول الليل. وذلك أن الإنسان إذا نام لا يدري متى يستيقظ.
وفي الصحاح: وناشئة الليل أول ساعاته.
وقال القتبي: إنه ساعات الليل، لأنها تنشأ ساعة بعد ساعة. وعن الحسن ومجاهد: هي ما بعد العشاء الآخرة إلى الصبح. وعن الحسن أيضا: ما كان بعد العشاء فهو ناشئة. ويقال: ما ينشأ في الليل من الطاعات، حكاه الجوهري.
الثانية: قوله تعالى: {هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً} قرأ أبو العالية وأبو عمرو وابن أبي إسحاق ومجاهد وحميد وابن محيصن وابن عامر والمغيرة وأبو حيوة {وطاء} بكسر الواو وفتح الطاء والمد، واختاره أبو عبيد. الباقون وَطْئاً بفتح الواو وسكون الطاء مقصورة، واختاره أبو حاتم، من قولك: اشتدت على القوم وطأة سلطانهم. أي ثقل عليهم ما حملهم من المؤن، ومنه قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهم اشدد وطأتك على مضر» فالمعنى أنها أثقل على المصلي من ساعات النهار. وذلك أن الليل وقت منام وتودع وإجمام، فمن شغله بالعبادة فقد تحمل المشقة العظيمة. ومن مد فهو مصدر واطأت وطاء ومواطأة أي وافقته. ابن زيد واطأته على الامر مواطأة: إذا وافقته من الوفاق، وفلان يواطئ اسمه اسمي، وتواطئوا عليه أي توافقوا، فالمعنى أشد موافقة بين القلب والبصر والسمع واللسان، لانقطاع الأصوات والحركات، قاله مجاهد وابن أبي مليكة وغيرهما.
وقال ابن عباس بمعناه، أي يواطئ السمع القلب، قال الله تعالى: {لِيُواطِئُوا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ} [التوبة: 37] أي ليوافقوا.
وقيل: المعنى أشد مهادا للتصرف في التفكر والتدبر. والوطاء خلاف الغطاء.
وقيل: أَشَدُّ وَطْئاً بسكون الطاء وفتح الواو أي أشد ثباتا من النهار، فإن الليل يخلو فيه الإنسان بما يعمله، فيكون ذلك أثبت للعمل وأتقى لما يلهى ويشغل القلب. والوطي الثبات، تقول: وطئت الأرض بقدمي.
وقال الأخفش: أشد قياما. الفراء: أثبت قراءة وقياما. وعنه: أَشَدُّ وَطْئاً أي أثبت للعمل وأدوم لمن أراد الاستكثار من العبادة، والليل وقت فراغ عن اشتغال المعاش فعبادته تدوم ولا تنقطع.
وقال الكلبي: أَشَدُّ وَطْئاً أي أشد نشاطا للمصلي، لأنه في زمان راحته.
وقال عبادة: أَشَدُّ وَطْئاً أي نشاطا للمصلي وأخف، وأثبت للقراءة.
الرابعة: قوله تعالى: {وَأَقْوَمُ قِيلًا} أي القراءة بالليل أقوم منها بالنهار، أي أشد استقامة واستمرارا على الصواب، لان الأصوات هادئة، والدنيا ساكنة، فلا يضطرب على المصلي ما يقرؤه. قال قتادة ومجاهد: أي أصوب للقراءة وأثبت للقول، لأنه زمان التفهم.
وقال أبو علي: أَقْوَمُ قِيلًا أي أشد استقامة لفراغ البال بالليل.
وقيل: أي أعجل إجابة للدعاء. حكاه ابن شجرة.
وقال عكرمة: عبادة الليل أتم نشاطا، وأتم إخلاصا، وأكثر بركة. وعن زيد ابن أسلم: أجدر أن يتفقه في القرآن. وعن الأعمش قال: قرأ أنس بن مالك إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا فقيل له: وَأَقْوَمُ قِيلًا فقال: أقوم وأصوب واهيا: سواء. قال أبو بكر الأنباري: وقد ترامى ببعض هؤلاء الزائغين إلى أن قال: من قرأ بحرف يوافق معنى حرف من القرآن فهو مصيب، إذا لم يخالف معنى ولم يأت بغير ما أراد الله وقصد له، واحتجوا بقول أنس هذا. وهو قول لا يعرج عليه ولا يلتفت إلى قائله، لأنه لو قرأ بألفاظ تخالف ألفاظ القرآن إذا قاربت معانيها واشتملت على عامتها، لجاز أن يقرأ في موضع {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} [الفاتحة: 2]: الشكر للباري ملك المخلوقين، ويتسع الامر في هذا حتى يبطل لفظ جميع القرآن، ويكون التالي له مفتريا على الله عز وجل، كاذبا على رسوله صلى الله عليه وسلم ولا حجة لهم في قول ابن مسعود: نزل القرآن على سبعة أحرف، إنما هو كقول أحدكم: هلم وتعال وأقبل، لان هذا الحديث يوجب أن القراءات المأثورة المنقولة بالأسانيد الصحاح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا اختلفت ألفاظها، واتفقت معانيها، كان ذلك فيها بمنزلة الخلاف في هلم، وتعال، وأقبل، فأما ما لم يقرأ به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه وتابعوهم رضي الله عنهم، فإنه من أورد حرفا منه في القرآن بهت ومال وخرج من مذهب الصواب. قال أبو بكر: والحديث الذي جعلوه قاعدتهم في هذه الضلالة حديث لا يصح عن أحد من أهل العلم، لأنه مبني على رواية الأعمش عن أنس، فهو مقطوع ليس بمتصل فيؤخذ به، من قبل أن الأعمش رأى أنسا ولم يسمع منه.
الخامسة: قوله تعالى: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا} قراءة العامة بالحاء غير معجمة، أي تصرفا في حوائجك، وإقبالا وإدبارا وذهابا ومجيئا. والسبح: الجري والدوران، ومنه السابح في الماء، لتقلبه بيديه ورجليه. وفرس سابح: شديد الجري، قال امرؤ القيس:
مسح إذا ما السابحات على الونى *** أثرن الغبار بالكديد المركل
وقيل: السبح الفراغ، أي إن لك فراغا للحاجات بالنهار.
وقيل: إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً أي نوما، والتسبح التمدد، ذكره الخليل. وعن ابن عباس وعطاء: {سَبْحاً طَوِيلًا} يعني فراغا طويلا لنومك وراحتك، فاجعل ناشئة الليل لعبادتك، وقال الزجاج: إن فاتك في الليل شيء فلك في النهار فراغ الاستدراك. وقرأ يحيى بن يعمر وأبو وائل {سبخا} بالخاء المعجمة. قال المهدوي: ومعناه النوم روى ذلك عن القارئين بهذه القراءة.
وقيل: معناه الخفة والسعة والاستراحة، ومنه قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة وقد دعت على سارق ردائها: «لا تسبخي عنه بدعائك عليه». أي لا تخففي عنه إثمه، قال الشاعر:
فسخ عليك الهم واعلم بأنه *** إذا قدر الرحمن شيئا فكائن
الأصمعي: يقال سبخ الله عنك الحمى أي خففها. وسبخ الحر: فتر وخف. والتسبيخ النوم الشديد. والتسبيخ أيضا توسيع القطن والكتان والصوف وتنفيشها، يقال للمرأة: سبخي قطنك. والسبيخ من القطن ما يسبخ بعد الندف، أي يلف لتغزله المرأة، والقطعة منه سبيخة، وكذلك من الصوف والوبر. ويقال لقطع القطن سبائخ، قال الأخطل يصف القناص والكلاب:
فأرسلوهن يذرين التراب كما *** يذري سبائخ قطن ندف أوتار
وقال ثعلب: السبخ بالخاء التردد والاضطراب، والسبخ أيضا السكون، ومنه قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الحمى من فيح جهنم، فسبخوها بالماء» أي سكنوها.
وقال أبو عمرو: السبخ: النوم والفراغ. قلت: فعلى هذا يكون من الأضداد وتكون بمعنى السبح، بالحاء غير المعجمة.
{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (Cool}
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ} أي ادعه بأسمائه الحسنى، ليحصل لك مع الصلاة محمود العاقبة.
وقيل: أي اقصد بعملك وجه ربك، وقال سهل: اقرأ باسم الله الرحمن الرحيم في ابتداء صلاتك توصلك بركة قراءتها إلى ربك، وتقطعك عما سواه.
وقيل: اذكر اسم ربك في وعده ووعيده، لتوفر على طاعته وتعدل عن معصيته.
وقال الكلبي: صل لربك أي بالنهار.
قلت: وهذا حسن فإنه لما ذكر الليل ذكر النهار، إذ هو قسيمه، وقد قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ} [الفرقان: 62] على ما تقدم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://help.forumcanada.org
ابو شنب
المدير العام
المدير العام
ابو شنب


عدد المساهمات : 10023
نقاط : 26544
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 08/12/2015

 تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة المزمل}رقم(73) Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة المزمل}رقم(73)    تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة المزمل}رقم(73) Emptyالإثنين ديسمبر 28, 2015 1:12 am

الثانية: قوله تعالى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} التبتل: الانقطاع إلى عبادة الله عز وجل، أي انقطع بعبادتك إليه، ولا تشرك به غيره. يقال: بتلت الشيء أي قطعته، ومنه قولهم. طلقها بتة بتلة، وهذه صدقة بتة بتلة، أي بائنة منقطعة عن صاحبها،، أي قطع ملكه عنها بالكلية، ومنه مريم البتول لانقطاعها إلى الله تعالى، ويقال للراهب متبتل، لانقطاعه عن الناس، وانفراده بالعبادة، قال:
تضيء الظلام بالعشاء كأنها *** منارة ممسى راهب متبتل
وفي الحديث النهي عن التبتل، وهو الانقطاع عن الناس والجماعات.
وقيل: إن أصله عند العرب التفرد، قاله ابن عرفة. والأول أقوى لما ذكرنا. ويقال: كيف قال: تبتيلا، ولم يقل تبتلا؟ قيل له: لان معنى تبتل بتل نفسه، فجئ به على معناه مراعاة لحق الفواصل.
الثالثة: قد مضى في المائدة في تفسير قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87] كراهة لمن تبتل وانقطع وسلك سبيل الرهبانية بما فيه كفاية. قال ابن العربي: وأما اليوم وقد مرجت عهود الناس، وخفت أماناتهم، واستولى الحرام على الحطام، فالعزلة خير من الخلطة، والعز به أفضل من التأهل، ولكن معنى الآية: انقطع عن الأوثان والأصنام وعن عبادة غير الله، وكذلك قال مجاهد: معناه: أخلص له العبادة، ولم يرد التبتل، فصار التبتل مأمورا به في القرآن، منهيا عنه في السنة، ومتعلق الامر غير متعلق النهي، فلا يتناقضان، وإنما بعث ليبين للناس ما نزل إليهم، فالتبتل المأمور به: الانقطاع إلى الله بإخلاص العبادة، كما قال تعالى: {وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] والتبتل المنهي عنه: هو سلوك مسلك النصارى في ترك النكاح والترهب في الصوامع، لكن عند فساد الزمان يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن.

{رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (9) وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (10) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (11)}
قوله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} قرأ أهل الحرمين وابن محيصن ومجاهد وأبو عمرو وابن أبي إسحاق وحفص رَبُّ بالرفع على الابتداء والخبر لا إِلهَ إِلَّا هُوَ.
وقيل: على إضمار هُوَ. الباقون {رب} بالخفض على نعت الرب تعالى في قوله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ} {رب المشرق} ومن علم أنه رب المشارق والمغارب انقطع بعمله وأمله إليه. {فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} أي قائما بأمورك.
وقيل: كفيلا بما وعدك. قوله تعالى: {وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ} أي من الأذى والسب والاستهزاء، ولا تجزع من قولهم، ولا تمتنع من دعائهم. {وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا} أي لا تتعرض لهم، ولا تشتغل بمكافأتهم، فإن في ذلك ترك الدعاء إلى الله. وكان هذا قبل الامر بالقتال، ثم أمر بعد بقتالهم وقتلهم، فنسخت آية القتال ما كان قبلها من الترك، قاله قتادة وغيره.
وقال أبو الدرداء: إنا لنكشر في وجوه أقوام ونضحك إليهم وإن قلوبنا لتقليهم أو لتلعنهم. قوله تعالى: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ} أي أرض بي لعقابهم. نزلت في صناديد قريش ورؤساء مكة من المستهزئين.
وقال مقاتل: نزلت في المطعمين يوم بدر وهم عشرة. وقد تقدم ذكرهم في الأنفال.
وقال يحيى بن سلام: إنهم بنو المغيرة.
وقال سعيد بن جبير أخبرت أنهم اثنا عشر رجلا. {أُولِي النَّعْمَةِ} أي أولى الغنى والترفه واللذة في الدنيا {وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا} يعني إلى مدة آجالهم. قالت عائشة رضي الله عنها: لما نزلت هذه الآية لم يكن إلا يسيرا حتى وقعت وقعة بدر.
وقيل: وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا يعني إلى مدة الدنيا.

{إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً (12) وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً (13) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً (14)}
قوله تعالى: {إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا وَجَحِيماً} الأنكال: القيود. عن الحسن ومجاهد وغيرهما. واحدها نكل، وهو ما منع الإنسان من الحركة.
وقيل: سمى نكلا، لأنه ينكل به. قال الشعبي: أترون أن الله تعالى جعل الأنكال في أرجل أهل النار خشية أن يهربوا؟ لا والله! ولكنهم إذا أرادوا أن يرتفعوا استفلت بهم.
وقال الكلبي: الأنكال: الاغلال، والأول أعرف في اللغة، ومنه قول الخنساء:
دعاك فقطعت إنكاله *** وقد كن قبلك لا تقطع
وقيل: إنه أنواع العذاب الشديد، قاله مقاتل. وقد جاء أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إن الله يحب النكل على النكل» بالتحريك، قاله الجوهري. قيل: وما النكل؟ قال: «الرجل القوي المجرب، على الفرس القوي المجرب» ذكره الماوردي. قال: ومن ذلك سمى القيد نكلا لقوته، وكذلك الغل، وكل عذاب قوي فاشتد، والجحيم النار المؤججة. {وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ} أي غير سائغ، يأخذ بالحلق، لا هو نازل ولا هو خارج، وهو الغسلين والزقوم والضريع، قاله ابن عباس. وعنه أيضا: انه شوك يدخل الحلق، فلا ينزل ولا يخرج.
وقال الزجاج: أي طعامهم الضريع، كما قال: {لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} [الغاشية: 6] وهو شوك كالعوسج.
وقال مجاهد: هو الزقوم، كما قال: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ} [الدخان: 44- 43]. والمعنى واحد.
وقال حمران بن أعين: قرأ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا وَجَحِيماً وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ}
فصعق.
وقال خليد بن حسان: أمسى الحسن عندنا صائما، فأتيته بطعام فعرضت له هذه الآية إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا وَجَحِيماً. وَطَعاماً فقال: أرفع طعامك. فلما كانت الثانية أتيته بطعام فعرضت له هذه الآية، فقال: ارفعوه. ومثله في الثالثة، فانطلق ابنه إلى ثابت البناني ويزيد الضبي ويحيى البكاء فحدثهم، فجاءوه فلم يزالوا به حتى شرب شربة من سويق. والغصة: الشجا، وهو ما ينشب في الحلق من عظم أو غيره. وجمعها غصص. والغصص بالفتح مصدر قولك: غصصت يا رجل تغص، فأنت غاص بالطعام وغصان، وأغصصته أنا، والمنزل غاص بالقوم أي ممتلئ بهم. قوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ} أي تتحرك وتضطرب بمن عليها. وانتصب يَوْمَ على الظرف أي ينكل بهم ويعذبون يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ.
وقيل: بنزع الخافض، يعني هذه العقوبة في يوم ترجف الأرض والجبال.
وقيل: العامل ذَرْنِي أي وذرني والمكذبين يوم ترجف الأرض والجبال. {وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا} أي وتكون. والكثيب الرمل المجتمع- قال حسان:
عرفت ديار زينب بالكثيب *** كخط الوحي في الورق القشيب
والمهيل: الذي يمر تحت الأرجل. قال الضحاك والكلبي: المهيل: هو الذي إذا وطئته بالقدم زل من تحتها، وإذا أخذت أسفله انهال.
وقال ابن عباس: مَهِيلًا أي رملا سائلا متناثرا وأصله مهيول وهو مفعول من قولك: هلت عليه التراب أهيله هيلا: إذا صببته. يقال: مهيل ومهيول، ومكيل ومكيول، ومدين ومديون، ومعين ومعيون، قال الشاعر:
قد كان قومك يحسبونك سيدا *** وإدخال أنك سيد معيون
وفي حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنهم شكوا إليه الجدوبة، فقال: «أتكيلون أم تهيلون» قالوا: نهيل. قال: «كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه». وأهلت الدقيق لغة في هلت فهو مهال ومهيل. وإنما حذفت الواو، لان الياء تثقل فيها الضمة، فحذفت فسكنت هي والواو فحذفت الواو لالتقاء الساكنين.
{إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (15) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً (16) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (17) السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (18) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (19)}
قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا} يريد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسله إلى قريش {كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا} وهو موسى {فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} أي كذب به ولم يؤمن. قال مقاتل: ذكر موسى وفرعون، لان أهل مكة ازدروا محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستخفوا به، لأنه ولد فيهم، كما أن فرعون ازدرى موسى، لأنه رباه ونشأ فيما بينهم، كما قال تعالى: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً} [الشعراء: 18]. قال المهدوي: ودخلت الالف واللام في الرسول لتقدم ذكره، ولذلك اختير في أول الكتب سلام عليكم، وفي آخرها السلام عليكم. {وَبِيلًا} أي ثقيلا شديدا. وضرب وبيل وعذاب وبيل: أي شديد، قاله ابن عباس ومجاهد. ومنه مطر وابل أي شديد، قاله الأخفش.
وقال الزجاج: أي ثقيلا غليظا. ومنه قيل للمطر وابل.
وقيل: مهلكا والمعنى عاقبناه عقوبة غليظة قال:
أكلت بنيك أكل الضب حتى *** وجدت مرارة الكلا الوبيل
واستوبل فلان كذا: أي لم يحمد عاقبته. وماء وبيل: أي وخيم غير مرئ، وكلا مستوبل وطعام وبيل ومستوبل: إذا لم يمرئ ولم يستمرا، قال زهير:
فقضوا منايا بينهم ثم أصدروا *** إلى كلا مستوبل متوخم
وقالت الخنساء:
لقد أكلت بجيلة يوم لاقت *** فوارس مالك أكلا وبيلا
والوبيل أيضا: العصا الضخمة، قال:
لو أصبح في يمنى يدي زمامها *** وفي كفي الأخرى وبيل تحاذره
وكذلك الموبل بكسر الباء، والمؤبلة أيضا: الحزمة من الحطب، وكذلك الوبيل، قال طرفة:
عقيلة شيخ كالوبيل يلندد ***
قوله تعالى: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً} هو توبيخ وتقريع، أي كيف تتقون العذاب إن كفرتم. وفية تقديم وتأخير، أي كيف تتقون يوما يجعل الولدان شيبا إن كفرتم. وكذا قراءة عبد الله وعطية. قال الحسن: أي بأي صلاة تتقون العذاب؟ بأي صوم تتقون العذاب؟ وفية إضمار، أي كيف تتقون عذاب يوم.
وقال قتادة: والله ما يتقى من كفر بالله ذلك اليوم بشيء. ويَوْماً مفعول ب- تَتَّقُونَ على هذه القراءة وليس بظرف، وإن قدر الكفر بمعنى الجحود كان اليوم مفعول {كَفَرْتُمْ}.
وقال بعض المفسرين: وقف التمام على قوله: {كَفَرْتُمْ} والابتداء {يَوْماً} يذهب إلى أن اليوم مفعول يَجْعَلُ والفعل لله عز وجل، وكأنه قال: يجعل الله الولدان شيبا في يوم. قال ابن الأنباري، وهذا لا يصلح، لان اليوم هو الذي يفعل هذا من شدة هوله. المهدوي: والضمير في يَجْعَلُ يجوز أن يكون لله عز وجل، ويجوز أن يكون لليوم، وإذا كان لليوم صلح أن يكون صفة له، ولا يصلح ذلك إذا كان الضمير لله عز وجل إلا مع تقدير حذف، كأنه قال: يوما يجعل الله الولدان فيه شيبا. ابن الأنباري: ومنهم من نصب اليوم ب كَفَرْتُمْ وهذا قبيح، لان اليوم إذا علق ب- كَفَرْتُمْ أحتاج إلى صفة، أي كفرتم بيوم. فإن احتج محتج بأن الصفة قد تحذف وينصب ما بعدها، احتججنا عليه بقراءة عبد الله فكيف تتقون يوما. قلت: هذه القراءة ليست متواترة، وإنما جاءت على وجه التفسير. وإذا كان الكفر بمعنى الجحود ف- يوما مفعول صريح من غير صفة ولا حذفها، أي فكيف تتقون الله وتخشونه إن جحدتم يوم القيامة والجزاء. وقرأ أبو السمال قعنب فَكَيْفَ تَتَّقُونَ بكسر النون على الإضافة. والْوِلْدانَ الصبيان.
وقال السدي: هم أولاد الزنا.
وقيل: أولاد المشركين. والعموم أصح، أي يشيب فيه الصغير من غير كبر. وذلك حين يقال: «يا آدم قم فابعث بعث النار». على ما تقدم في أول سورة الحج. قال القشيري: ثم إن أهل الجنة يغير الله أحوالهم وأوصافهم على ما يريد.
وقيل: هذا ضرب مثل لشدة ذلك اليوم وهو مجاز، لان يوم القيامة لا يكون فيه ولدان ولكن معناه أن هيبة ذلك اليوم بحال لو كان فيه هناك صبي لشاب رأسه من الهيبة. ويقال: هذا وقت الفزع، وقيل أن ينفخ في الصور نفخة الصعق، فالله أعلم. الزمخشري: وقد مر بي في بعض الكتب أن رجلا أمسى فاحم الشعر كحنك الغراب، فأصبح وهو أبيض الرأس واللحية كالثغامة، فقال: أريت القيامة والجنة والنار في المنام، ورأيت الناس يقادون في السلاسل إلى النار، فمن هول ذلك أصبحت كما ترون. ويجوز أن يوصف اليوم بالطول، وأن الأطفال يبلغون فيه أوان الشيخوخة والشيب. قوله تعالى: {السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} أي متشققة لشدته. ومعنى بِهِ أي فيه، أي في ذلك اليوم لهوله. هذا أحسن ما قيل فيه. ويقال: مثقلة به أثقالا يؤدي إلى انفطارها لعظمته عليها وخشيتها من وقوعه، كقوله تعالى: {ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 187].
وقيل: بِهِ أي له، أي لذلك اليوم، يقال: فعلت كذا بحرمتك ولحرمتك، والباء واللام وفي: متقاربة في مثل هذا الموضع، قال الله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ} [الأنبياء: 47] أي في يوم القيامة.
وقيل: بِهِ أي بالأمر أي السماء منفطر بما يجعل الولدان شيبا.
وقيل: منفطر بالله، أي بأمره، وقال أبو عمرو بن العلاء: لم يقل منفطرة، لان مجازها السقف، تقول: هذا سماء البيت، قال الشاعر:
فلو رفع السماء إليه قوما *** لحقنا بالسماء وبالسحاب
وفي التنزيل: {وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً} [الأنبياء: 32].
وقال الفراء: السماء يذكر ويؤنث.
وقال أبو علي: هو من باب الجراد المنتشر، والشجر الأخضر، و{أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر: 20].
وقال أبو علي أيضا: أي السماء ذات انفطار، كقولهم: امرأة مرضع، أي ذات إرضاع، فجرى على طريق النسب. كانَ وَعْدُهُ أي بالقيامة والحساب والجزاء مَفْعُولًا كائنا لا شك فيه ولا خلف.
وقال مقاتل: كان وعده بأن يظهر دينه على الدين كله. قوله تعالى: {إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ} يريد هذه السورة أو الآيات عظة.
وقيل: آيات القرآن، إذ هو كالسورة الواحدة. {فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ} أي من أراد أن يؤمن ويتخذ بذلك إلى ربه {سَبِيلًا} أي طريقا إلى رضاه ورحمته فليرغب، فقد أمكن له، لأنه أظهر له الحجج والدلائل. ثم قيل: نسخت بآية السيف، وكذلك قوله تعالى: {فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ} [المدثر: 55] قال الثعلبي: والأشبه أنه غير منسوخ.

{قوله تعالى إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)}
فيه ثلاث عشرة مسألة: الأولى: قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ} هذه الآية تفسير لقوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} [المزمل: 4- 2] كما تقدم، وهي الناسخة لفرضية قيام الليل كما تقدم. تَقُومُ معناه تصلي وأَدْنى أي أقل. وقرأ ابن السميقع وأبو حيوة وهشام عن أهل الشام ثُلُثَيِ بإسكان اللام. وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ بالخفض قراءة العامة عطفا على ثُلُثَيِ، المعنى: تقوم أدنى من ثلثي الليل ومن نصفه وثلثه. واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، كقوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} فكيف يقومون نصفه أو ثلثه وهم لا يحصونه. وقرأ ابن كثير والكوفيون {ونصفه وثلثه} بالنصب عطفا على أَدْنى التقدير: تقوم أدنى من ثلثي الليل وتقوم نصفه وثلثه. قال الفراء: وهو أشبه بالصواب، لأنه قال أقل من الثلثين، ثم ذكر نفس القلة لا أقل من القلة. القشيري: وعلى هذه القراءة يحتمل أنهم كانوا يصيبون الثلث والنصف، لخفة القيام عليهم بذلك القدر، وكانوا يزيدون، وفي الزيادة إصابة المقصود، فأما الثلثان فكان يثقل عليهم قيامه فلا يصيبونه، وينقصون منه. ويحتمل أنهم أمروا بقيام نصف الليل، ورخص لهم في الزيادة والنقصان، فكانوا ينتهون في الزيادة إلى قريب من الثلثين، وفي النصف إلى الثلث. ويحتمل أنهم قدر لهم النصف وأنقص إلى الثلث، والزيادة إلى الثلثين، وكان فيهم من يفي بذلك، وفيهم من يترك ذلك إلى أن نسخ عنهم.
وقال قوم: إنما أفترض الله عليهم الربع، وكانوا ينقصون من الربع. وهذا القول تحكم.
الثانية: قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ} أي يعلم مقادير الليل والنهار على حقائقها، وأنتم تعلمون بالتحري والاجتهاد الذي يقع فيه الخطأ. {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} أي لن تطيقوا معرفة حقائق ذلك والقيام به.
وقيل: أي لن تطيقوا قيام الليل. والأول أصح، فإن قيام الليل ما فرض كله قط. قال مقاتل وغيره: لما نزلت: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} [المزمل: 4- 2] شق ذلك عليهم، وكان الرجل لا يدري متى نصف الليل من ثلثه، فيقوم حتى يصبح مخافة أن يخطئ، فانتفخت أقدامهم، وانتقعت ألوانهم، فرحمهم الله وخفف عنهم، فقال تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} وإِنَّ مخففة من الثقيلة، أي علم أنكم لن تحصوه، لأنكم إن زدتم ثقل عليكم، واحتجتم إلى تكليف ما ليس فرضا، وإن نقصتم شق ذلك عليكم.
الثالثة: قوله تعالى: {فَتابَ عَلَيْكُمْ} أي فعاد عليكم بالعفو، وهذا يدل على أنه كان فيهم في ترك بعض ما أمر به.
وقيل: أي فتاب عليكم من فرض القيام إذ عجزتم. واصل التوبة الرجوع كما تقدم، فالمعنى رجع لكم من تثقيل إلى تخفيف، ومن عسر إلى يسر. وإنما أمروا بحفظ الأوقات على طريق التحري، فخفف عنهم ذلك التحري.
وقيل: معنى {وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ} يخلقهما مقدرين كقوله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً}. ابن العربي: تقدير الخلقة لا يتعلق به حكم وإنما يربط الله به ما يشاء من وظائف التكليف.
الرابعة: قوله تعالى: {فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} فيه قولان: أحدهما أن المراد نفس القراءة، أي فاقرءوا فيما تصلونه بالليل ما خف عليكم. قال السدي: مائة آية. الحسن: من قرأ مائة آية في ليلة لم يحاجه القرآن.
وقال كعب: «من قرأ في ليلة مائة آية كتب من القانتين.
وقال سعيد: خمسون آية. قلت: قول كعب أصح، لقوله عليه السلام: من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين». خرجه أبو داود الطيالسي في مسنده من حديث عبد الله بن عمرو. وقد ذكرناه في مقدمة الكتاب والحمد لله. القول الثاني: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ أي فصلوا ما تيسر عليكم، والصلاة تسمى قرآنا، كقوله تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} أي صلاة الفجر. ابن العربي: وهو الأصح، لأنه عن الصلاة أخبر، واليها يرجع القول. قلت: الأول أصح حملا للخطاب على ظاهر اللفظ، والقول الثاني مجاز، فإنه من تسمية الشيء ببعض ما هو من أعماله.
الخامسة: قال بعض العلماء: قوله تعالى: {فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ} نسخ قيام الليل ونصفه، والنقصان من النصف والزيادة عليه. ثم احتمل قول الله عز وجل: {فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ} معنيين أحدهما أن يكون فرضا ثانيا، لأنه أزيل به فرض غيره. والآخر أن يكون فرضا منسوخا أزيل بغيره كما أزيل به غيره، وذلك لقوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً} [الاسراء: 79] فاحتمل قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ} [الاسراء: 79] أي يتهجد بغير الذي فرض عليه مما تيسر منه. قال الشافعي: فكان الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد المعنيين، فوجدنا سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تدل على أن لا واجب من الصلاة إلا الخمس.
السادسة: قال القشيري أبو نصر: والمشهور أن نسخ قيام الليل كان في حق الامة، وبقيت الفريضة في حق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقيل: نسخ التقدير بمقدار، وبقي أصل الوجوب، كقوله تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] فالهدي لا بد منه، كذلك لم يكن بد من صلاة الليل، ولكن فوض قدره إلى اختيار المصلي، وعلى هذا فقد قال قوم: فرض قيام الليل بالقليل باق، وهو مذهب الحسن.
وقال قوم: نسخ بالكلية، فلا تجب صلاة الليل أصلا، وهو مذهب الشافعي. ولعل الفريضة التي بقيت في حق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي هذا، وهو قيامه، ومقداره مفوض إلى خيرته. وإذا ثبت أن القيام ليس فرضا فقوله تعالى: {فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ} معناه أقرءوا إن تيسر عليكم ذلك، وصلوا إن شئتم. وصار قوم إلى أن النسخ بالكلية تقرر في حق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضا، فما كانت صلاة الليل واجبة عليه. وقوله: {نافِلَةً لَكَ} [الاسراء: 79] محمول على حقيقة النفل. ومن قال: نسخ المقدار وبقي أصل وجوب قيام الليل ثم نسخ، فهذا النسخ الثاني وقع ببيان مواقيت الصلاة، كقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الاسراء: 78]، وقوله: {فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17]، ما في الخبر من أن الزيادة على الصلوات الخمس تطوع.
وقيل: وقع النسخ بقوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ} [الاسراء: 79] والخطاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وللأمة، كما أن فرضيه الصلاة وإن خوطب بها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل: 2- 1] كانت عامة له ولغيره. وقد قيل: إن فريضة الله امتدت إلى ما بعد الهجرة، ونسخت بالمدينة، لقوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، وإنما فرض القتال بالمدينة، فعلى هذا بيان المواقيت جرى بمكة، فقيام الليل نسخ بقوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ} [الاسراء: 79].
وقال ابن عباس: لما قدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نسخ قول الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ} وجوب صلاة الليل.
السابعة: قوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى} الآية، بين سبحانه علة تخفيف قيام الليل، فإن الخلق منهم المريض، ويشق عليهم قيام الليل، ويشق عليهم أن تفوتهم الصلاة، والمسافر في التجارات قد لا يطيق قيام الليل، والمجاهد كذلك، فخفف الله عن الكل لأجل هؤلاء. وإِنَّ في أَنْ سَيَكُونُ مخففة من الثقيلة، أي علم أنه سيكون.
الثامنة: سوى الله تعالى في هذه الآية بين درجة المجاهدين والمكتسبين المال الحلال للنفقة على نفسه وعياله، والإحسان والإفضال، فكان هذا دليلا على أن كسب المال بمنزلة الجهاد، لأنه جمعه مع الجهاد في سبيل الله.
وروى إبراهيم عن علقمة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما من جالب يجلب طعاما من بلد إلى بلد فيبيعه بسعر يومه إلا كانت منزلته عند الله منزلة الشهداء» ثم قرأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وقال ابن مسعود: أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا، فباعه بسعر يومه كان له عند الله منزلة الشهداء. وقرأ {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ} الآية.
وقال ابن عمر: ما خلق الله موتة أموتها بعد الموت في سبيل الله أحب إلي من الموت بين شعبتي رحلي، ابتغى من فضل الله ضاربا في الأرض.
وقال طاوس: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله. وعن بعض السلف أنه كان بواسط، فجهز سفينة حنطة إلى البصرة، وكتب إلى وكيله: بع الطعام يوم تدخل البصرة، ولا تؤخره إلى غد، فوافق سعة في السعر، فقال التجار للوكيل: إن أخرته جمعة ربحت فيه أضعافه، فأخره جمعة فربح فيه أمثاله، فكتب إلى صاحبه بذلك، فكتب إليه صاحب الطعام: يا هذا! إنا كنا قنعنا بربح يسير مع سلامة ديننا، وقد جنيت علينا جناية، فإذا أتاك كتابي هذا فخذ المال وتصدق به على فقراء البصرة، وليتني أنجو من الاحتكار كفافا لا علي ولا لي. ويروى أن غلاما من أهل مكة كان ملازما للمسجد، فافتقده ابن عمر، فمشى إلى بيته، فقالت أمه: هو على طعام له يبيعه، فلقيه فقال له: يا بني! ما لك وللطعام؟ فهلا إبلا، فهلا بقرا، فهلا غنما! إن صاحب الطعام يحب المحل، وصاحب الماشية يحب الغيث.
التاسعة: قوله تعالى: {فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ} أي صلوا ما أمكن، فأوجب الله من صلاة الليل ما تيسر، ثم نسخ ذلك بإيجاب الصلوات الخمس على ما تقدم. قال ابن العربي وقد قال قوم: إن فرض قيام الليل سن في ركعتين من هذه الآية، قاله البخاري وغيره، وعقد بابا ذكر فيه حديث: «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة مكانها: عليك ليل طويل فارقد. فإن استيقظ فذكر الله أنحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى أنحلت عقده كلها، فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان» وذكر حديث سمرة بن جندب عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرؤيا قال: «أما الذي يثلغ رأسه بالحجر فإنه يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة». وحديث عبد الله بن مسعود قال: ذكر عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل ينام الليل كله فقال: «ذلك رجل بال الشيطان في أذنيه» فقال ابن العربي: فهذه أحاديث مقتضية حمل مطلق الصلاة على المكتوبة، فيحمل المطلق على المقيد لاحتماله له، وتسقط الدعوى ممن عينه لقيام الليل.
وفي الصحيح واللفظ للبخاري: قال عبد الله بن عمرو: وقال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يا عبد الله لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل» ولو كان فرضا ما أقره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه، ولا أخبر بمثل هذا الخبر عنه، بل كان يذمه غاية الذم، وفي الصحيح عن عبد الله بن عمر قال: كان الرجل في حياة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رأى رؤيا قصها على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكنت غلاما شابا عزبا، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان، وإذا فيها ناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار. قال: ولقينا ملك آخر، فقال لي: لم ترع. فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل» فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا، فلو كان ترك القيام معصية لما قال له الملك: لم ترع. والله أعلم.
العاشرة: إذا ثبت أن قيام الليل ليس بفرض، وأن قوله: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ، فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ محمول على ظاهره من القراءة في الصلاة فاختلف العلماء في قدر ما يلزمه أن يقرأ به في الصلاة، فقال مالك والشافعي: فاتحة الكتاب لا يجزئ العدول عنها، ولا الاقتصار على بعضها، وقدره أبو حنيفة بآية واحدة، من أي القرآن كانت. وعنه ثلاث آيات، لأنها أقل سورة. ذكر القول الأول الماوردي والثاني ابن العربي. والصحيح ما ذهب إليه مالك والشافعي، على ما بيناه في سورة الفاتحة أول الكتاب والحمد لله.
وقيل: إن المراد به قراءة القرآن في غير الصلاة، قال الماوردي: فعلى هذا يكون مطلق هذا الامر محمولا على الوجوب، أو على الاستحباب دون الوجوب. وهذا قول الأكثرين، لأنه لو وجب عليه أن يقرأ لوجب عليه أن يحفظه.
الثاني أنه محمول على الوجوب، ليقف بقراءته على إعجازه، وما فيه من دلائل التوحيد وبعث الرسل، ولا يلزمه إذا قرأه وعرف إعجازه ودلائل التوحيد منه أن يحفظه، لان حفظ القرآن من القرب المستحبة دون الواجبة.
وفي قدر ما تضمنه هذا الامر من القراءة خمسة أقوال: أحدها جميع القرآن، لان الله تعالى يسره على عباده، قاله الضحاك.
الثاني ثلث القرآن، حكاه جويبر.
الثالث مائتا آية، قاله السدي.
الرابع مائة آية، قاله ابن عباس.
الخامس ثلاث آيات كأقصر سورة، قاله أبو خالد الكناني.
الحادية عشرة: قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} يعني المفروضة وهي الخمس لوقتها. {وَآتُوا الزَّكاةَ} الواجبة في أموالكم، قاله عكرمة وقتادة.
وقال الحارث العكلي: صدقة الفطر لان زكاة الأموال وجبت بعد ذلك.
وقيل: صدقة التطوع.
وقيل: كل أفعال الخير.
وقال ابن عباس: طاعة الله والإخلاص له.
الثانية عشرة: قوله تعالى: {وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} القرض الحسن ما قصد به وجه الله تعالى خالصا من المال الطيب. وقد مضى في سورة الحديد بيانه.
وقال زيد ابن أسلم: القرض الحسن النفقة على الأهل.
وقال عمر بن الخطاب: هو النفقة في سبيل الله.
الثالثة عشرة: قوله تعالى: {وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ}. وروي عن عمر بن الخطاب أنه اتخذ حيسا- يعني تمرا بلبن- فجاءه مسكين فأخذه ودفعه إليه. فقال بعضهم: ما يدري هذا المسكين ما هذا؟ فقال عمر: لكن رب المسكين يدري ما هو. وكأنه تأول: وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً أي مما تركتم وخلفتم، ومن الشح والتقصير. {وَأَعْظَمَ أَجْراً} قال أبو هريرة: الجنة، ويحتمل أن يكون أعظم أجرا، لإعطائه بالحسنة عشرا. ونصب خَيْراً وَأَعْظَمَ على المفعول الثاني ل- تَجِدُوهُ وهُوَ: فصل عند البصريين، وعماد في قول الكوفيين، لا محل له من الاعراب. وأَجْراً تمييز. {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ} أي سلوه المغفرة لذنوبكم {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} لما كان قبل التوبة {رَحِيمٌ} لكم بعدها، قاله سعيد بن جبير. ختمت السورة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://help.forumcanada.org
 
تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة المزمل}رقم(73)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة العلق}رقم(96)
»  تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة القدر}رقم(97)
»  تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة غافر}رقم(40)
» تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة النور}رقم(24)
» تفسير ۩القرآن الكريم۩تفسير القرطبى{سورة التوبة}رقم(9)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
همس الحياه :: المنتدى : الإسلامى العام :: قسم : تفسير ۩ القرآن الكريم ۩ القرطبى-
انتقل الى: